أحدث الأخبار
الجمعة 19 نيسان/أبريل 2024
«جندرية المكان» في رواية «خرجنا من ضلع جبل» للإماراتية لولوة المنصوري!!
بقلم : سلوان إحسان* ... 31.05.2016

الجندر: هو قصة الجسد الاجتماعية أو السيكولوجية أو الثقافية ، ترجم هذا المصطلح في سبعينيات القرن الماضي، واستخدم كمفهوم تحليلي للأدوار الجنسية في الانتماءات الاجتماعية.
ومن هذه الزاوية نفهم الجندر على إنه يمثل إعادة توزيع الأدوار بين الأنوثة والذكورة، من ناحية القدَر البيولوجية على حد تعريف الباحثة خلود السباعي. أما جون سكوت فيعرف هذا المصطلح بأنه المكون الرئيس لجميع العلاقات الاجتماعية المميزة بين الجنسين، أو هو البلورة الأولى للسلطة. وهذه السلطة تمارس أدوارها على مسرح مكاني معين فبات تلازم السلطة والمكان تلازماً طردياً لتحديد الجندر أو النوع الاجتماعي للذكورة والأنوثة.
فالمكان يعد هنا مكونا بنائيا مركزياً، فهو ليس مخلوقا ميتاً أو جامداً أو مادة هندسية، بل هو جزء أساسي ومتبدّل من الحياة اليومية ومرتبط بشكل حميم بطقوس اجتماعية وشخصية تنتج في الوقت نفسه هوية الإنسان وكينونته، فيكون مرآة عاكسة لصور الذوات المحيطة به.
وللمكان تأثير بالغ في تحديد الاختلافات في الطبيعة الشخصية وثقافتها وتحديد نوعه، أما القوة التي تتمثل في الذكورة أو الضعف المتمثل في الأنوثة ، فالأنثى المدنية تختلف في حرية تصرفاتها عن الأنثى الريفية وكذلك الرجل، حيث هنا يمارس المكان سلطته بالكامل، فإما أن يكون عاما وخاضعا للعامة، أو حسب تعبير أ. مول وأ. رومير، مكانا للامتناهي وطاردا، وهذا المكان هو ما يكون دائما مسرحا لأحداث الشخصيات الورقية داخل الخطاب الروائي النسوي العربي، فالقاصة والروائية والصحافية الإماراتية لولوة المنصوري تشرع في خطابها السردي بعناوين جندرية محضة، فبين يدي مجموعتان قصصيتان ورواية صدرت عام 2014 «قبر تحت رأسي»، «القرية التي تنام في جيبي» و«خرجنا من ضلع جبل».
تمارس الروائية لولوة المنصوري في روايتها الفائزة بجائزة الإمارات للرواية القصيرة، العملية القيصرية لولادة المكان الجندري، بدءاً من العنوان «خرجنا من ضلع جبل» وعلى امتداد أفقي بـ142 صفحة من القطع المتوسط.
جبل جيس في إمارة رأس الخيمة، السلطة البطريركية المهيمنة على القرية بالكامل والصوت المنفرد بتشكيل جندر الإنسان الإماراتي في القرية. «خرجتُ من ضلعِ جيس، جبلٌ يأكل ُ نفسه ويكبر، يحتضن بيوتنا الساحلية بقلق، وينامُ قريراً عند حافة الحكايات»، فتشرع منذ الوهلة الأولى الساردة (هند) الشخصية الأساسية في الرواية في تغيير هذا المكان وإعادة إنتاجه وتغيير هرميات القوة الجندرية والطبقية والمعرفية فيه، سواء على مستوى التاريخ العام أم على المستوى اليومي المعاش «أنتِ حاملة لواء الجبل وتصحيح المسار»، فتتناول المنصوري من خلال روايتها مسارين من مسارات المكان اللامتناهي بلغة شعرية مرمزة مبررة أياها «أيمكن أن تكون الحقيقة في الخرافة؟ باعتبار الخرافة بعتمتها وغموضها تقابل اللاشعور البشري بطابعه الخفي، فانفجرت ذات زمن من رئة قلقة/ قلق الخرافات في النهاية ما هو إلا قلق الإنسان/ وقد يتضاعف مع الزمن إلى قلقي أنا».
المسار الأول: تعلن الساردة هند عن نتاج الثقافة المكانية ومسار فضائها العام. والظاهر من الأيديولوجيات المكانية والمخفي منها، من خلال سرد حكاية هند الناجية الوحيدة من داء الكهولة في قرية جيس، التي أنبجست في رأس جبلها صخرة أخرجت اللعنات على بلدتها/ وهذه الصخرة ما هي إلا إشارة رمزية للعنات التاريخ، ففي صفحة ص27 وتحت فصل «قراءة على جسد الصخرة» تقسم الساردة أبجدية المكان تحت فواصل حرفية مجموعة بكلمة (أ / ب /ج/ د / ف / ي /ع/ لو/ هـ) وهذه الأبجدية ما هي إلا خطاب إعادة تشكيل المكان العالي إلى مكان خاضع لسيطرة الجندر النسوي «امرأة تجيد ركل الجبل من دون أن تتكسر»، فتعيد تشكيل المكان التاريخي وفق نظريتها الجندرية، لكن مما يؤسف له أن الروائية المنصوري لم تخلص ساردتها العليمة هند من سلطة البطريرك بالكامل، بل تجبرها مرجعياتها الثقافية على مشاركة الرجل في تعبيد المسارات، من خلال تزويج هند لهيثم يعقوب الذي يكون مساهما رئيسياً في ما بعد بتغير زمكانية القرية من خلال توقيعه (في المفصل أ مجدداً)، من خلال انصهار جسد هيثم يعقوب مع جسد هند لينطلقا معا بخلق مكان جندري من جديد خاضع لسلطة النفط والإسفلت، ما يؤكد استمرارية بطريكية المكان «انفجرت دماء الخطية القديمة، ولا جدوى من تبديل أقدار البلدة».
المسار الثاني: المكان النفطي أو القرية الحديثة التي لا تنسجم معها الساردة العليمة هند فيشكل لديها عائقاً جديداً في جندرة مكانها وهويتها النسوية «أنساق إلى الخلف.. أتراجع، أستدير» فعملية الانسياق والرجوع إلى الماضي هو رجوع لحقيقة التخيل داخل النص الروائي، وهو تخيل طبيعي بريء داخل المجتمعات الشرقية، فتؤثث لمكان آخر أقل فاعلية من الجبل وشموخه، ألا وهو البحر الذي هو أقرب إلى الطبيعة الفسلجية للمرأة «أنتِ أدخلي البحر لا الصخرة وأكملي بقية الحكاية». وبمقطع ميتانصي تُدخِل الروائية لدائرة نصها شخصية مجهولة عن النص الروائي غير مبررة دخوله «أحمد عدنان يأكل من نصي ويختفي». ثم تعيده لمجرى النص مؤكدة على استمرارية السلطة الذكورية في المجتمع النفطي «تحاشيته، وفكرت أن أغلق النصوص عليه ليختفي تشبث الرجل بالنص الأخير ويصرخ لا تغلقي النص ، ثمة خزينة كبرى تحت نصك». تنزاح الساردة الفراغات الطويلة من أسئلة التاريخ المكاني لتتركه لراو آخر/ القارئ/ة ليشاركها إعادة البنى المكانية للمجتمع في الحياة اليومية.
فتتحدد من خلال هذين المسارين نتيجة واحدة تريد الروائية المنصوري به لمتلقيها.
إن أعادة بناء مكانها الجندري لم ينته بعد وإعادة تفكيك السلطة المكانية مازال مستمراً من خلال الفراغات التي استخدمتها في بنية النص الروائي وخاتمتها «وسواس الحقيقة ……..أنت».

٭ ناقد عراقي..المصدر: القدس العربي
1