أحدث الأخبار
الجمعة 29 آذار/مارس 2024
"بيك نعيش"..فيلم تونسي يطرح قضية الاتجار بالأعضاء !!
بقلم :  الديار ... 08.11.2019

فيلم روائي طويل عن مأساة أسرية للمخرج التونسي الشاب مهدي البرصاوي.
تونس – يعدّ فيلم “بيك نعيش” أول فيلم روائي طويل للمخرج التونسي الشاب مهدي البرصاوي، بعد أن أنجز ثلاثة أفلام قصيرة كان آخرها “خلينا هكّا خير”.
وأدّى الأدوار الرئيسية في فيلم “بيك نعيش” الممثلون سامي بوعجيلة ونجلاء بن عبدالله ويوسف الخميري ونعمان حمدة وصلاح مصدّق ومحمد علي بن جمعة وجهاد الشارني.
ويروي الفيلم في 90 دقيقة، قصة زوجين، فارس (سامي بوعجيلة) ومريم (نجلاء بن عبدالله)، يعيشان حياة عادية مع ابنهما عزيز البالغ من العمر 11 سنة، قبل أن تتحوّل حياة العائلة إلى مأساة. فبعد سبعة أشهر من سقوط نظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، يأخذ فارس ومريم ابنهما في جولة إلى الجنوب التونسي حيث يتعرضون هناك لسطو مسلح وينقل عزيز إلى المستشفى وتصبح حياته في خطر وتتحوّل العطلة إلى كابوس مرعب لهذه العائلة.
صنع مهدي البرصاوي من الفيلم دراما أو مأساة أسرية ليثير منها جملة من القضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية والدينية. إنها قضايا شاملة عرفتها تونس بعد ثورة 14 يناير 2011، وقام المخرج بالحفر عنها والتعمّق في تفاصيلها بلغة بصرية جمالية راوحت بين المشاهد الفيلمية العامة والمشاهد الفيلمية القريبة وبين الأماكن المغلقة والأماكن المفتوحة وبين زمني الليل والنهار وملامح الشخصيتين الرئيستين فارس ومريم والنظرات المتبادلة بينهما.
لم يكن اختيار محافظة تطاوين (جنوب تونس) لتصوير فيلم “بيك نعيش” اعتباطيا، فالأحداث تدور في شهر سبتمبر من سنة 2011، وفي هذا الشهر تم اغتيال الرئيس الليبي السابق معمر القذافي وسيطر الثوار على العاصمة طرابلس، لذلك كان اختيار محافظة تطاوين منطقيا بحكم موقعها الجغرافي على الحدود الليبية التي انهار أمنها ونظامها، ممّا جعل ظاهرة التهريب تستفحل بين الجانبين التونسي والليبي وطالت أنشطة التهريب مجالات أخرى غير البنزين، تعرّض لها المخرج في فيلمه. وبالعودة إلى بداية الفيلم، تبدو الحياة جميلة وتسير بشكل طبيعي لأسرة مرفّهة نسبيا تمتلك سيارة ولها طفل متعلّم، ولكن بمجرّد وقوع حادث إطلاق النار وإصابة الطفل ونقله إلى المستشفى، يبدأ الواقع في التعرّي شيئا فشيئا بداية بالوضع المتردي في المستشفيات والنقص في الإطار الطبي وشبه الطبي وفي المعدات الطبية، ثمّ سرعان ما تبلغ الأحداث ذروتها وتبدأ في التعقّد.
وبداية العقدة في الأحداث كانت مع المفاجأة التي فجّرها الطبيب المشرف على حالة الطفل المصاب، إذ يكتشف بعد فحص اختبار الحمض النووي أن عزيز ليس الابن الشرعي لفارس، لتبدأ إثر ذلك الأحداث في المزيد من التعقيد للبحث عن حل لإنقاذ حياة المريض.
وأراد المخرج من حالة التعقيد التي يحرّك بها المسار الدرامي في أحداث الفيلم كلّ مرة، تسليط الضوء على مجموعة من القضايا، فاختبار الحمض النووي واكتشاف الأب أن الابن ليس من صلبه كان دافعا لإبراز تغوّل العقليّة الذكورية في المجتمع وأن الثقافة المجتمعية لم تتغيّر مع رياح الثورة التي هبّت.
والقضية المركزية الأخرى في الفيلم، هي سلطة النزعة الدينية السائدة في المجتمع التي تحرّم التبرّع بالأعضاء لغير الأفراد التابعين للأسرة نفسها. وهذا الأمر زاد من تعقيد الأمور أكثر، خاصة أن حالة الطفل المصاب آخذة في التعكّر إضافة إلى عامل الوقت الضيّق للأم للبحث عن الوالد الشرعي للطفل.
تتطوّر العلاقة بين الزوجين في الفيلم لتصبح علاقة انفصال بعد أن كانت علاقة اتصال، ثم تدرّجت لتصبح علاقة اتصال في موضع انفصال، أي اتصال خارج عش الزوجية، وهذه العلاقة قامت على التوتر الدائم بين فارس ومريم واستمرّ ذلك حتى نهاية الفيلم.
وخلق المخرج من الانفصال غير المعلن بين الزوجين اتفاقا بينهما على إنقاذ الابن. وهذه الحبكة الدرامية وظّفها مهدي البرصاوي في إدخال أحداث جديدة ليثير منها قضايا تهمّ أمن الحدود والتجارة بالأعضاء والتجارة بالبشر.
فالأب فارس كان له من المبادئ والقيم الإنسانية السامية ما دفعه إلى شراء أعضاء لابن ليس من صلبه، وهذا أدّى إلى الكشف عن شبكات تتاجر بالأعضاء متورطة فيها عناصر فاعلة في الدولة منها الأمني والطبي.
ولكن فارس خيّر في النهاية الالتجاء إلى الأب الشرعي سامي (محمد علي بن جمعة) للتبرّع لابنه عزيز ويهبه حياة جديدة. وعلى مشهد التبرّع بالأعضاء ولقطة تبادل النظرات بين فارس ومريم تنتهي أحداث فيلم “بيك نعيش” لتبقى في الأذهان أسئلة عالقة: أي تغيير أحدثته الثورة والتشريعات التي تهمّ الحياة الإنسانية لا تزال على حالها ولم تتطوّر في بلد استفحلت فيه ظاهرة الفساد والتهريب والاتجار بالأعضاء؟
وشارك فيلم “بيك نعيش” في المسابقة الرسمية للأفلام الروائية الطويلة ضمن فعاليات الدورة الثلاثين لأيام قرطاج السينمائية الأخيرة، دون أن يتمكّن من حصد أي جائزة من جوائز المهرجان، إلاّ أنه تحصّل في المقابل على جائزة الجمهور في المسابقة الرسمية للأفلام الروائية الطويلة في الدورة الرابعة والثلاثين للمهرجان الدولي للفيلم الفرنكوفوني بمدينة نامور البلجيكية.

1