أحدث الأخبار
الخميس 28 آذار/مارس 2024
اسم الله عليه ولا يكون شحّاد!!
بقلم : رشاد أبوشاور ... 13.10.2021

عندما رأى امرأة عمه قادمة من أول الشارع، أدار ظهرها ومضى معها صامتا إلى فرن المتولي.انزلق طبق صحن العجيبن عن رأسها عندما انحنت. طرحت السلام، وتنهدت وهي تلتقط طبق القش وغطّت صحن العجين الكبير، وركزت ظهرها إلى الحائط تحت الشبّاك، ومرت بنظرها على النساء الجالسات غير متباعدات، وهي تنتظر دورها في تقطيع عجينها وخبزه.
-يعطيك العافية يا أبوسالم...
توقف أبوسالم عن هز جسده مع الذراع الخشبي الذي يرص عليه أرغفىة العجين، وهو يدفع بالذراع الطويل داخل الفرن المتأجج بنيران الحطب:
_أهلاً بأم أحمد.
نفخ ومسح بمنشفة كبيرة جبينه وعنقه، وأغلب جسده يتوارى في الحفرة أمام بيت النار:
-ها انا في النار يا ام أحمد..يلاّ بدنا نخدم الناس.
ارتفع أكثر من صوت: الله يعطيك العافية يا ابوسالم .
وهو يهتز ويبرم جسده :
-بدنا نخدم، والمهم نرضي الله وعباده...
وقف رشاد بجور امرأة عمه مسندا ظهره على الجدار، مادا رأسه عبر الشبّاك، ثم شعر بالملل، وخرج مع ارتفاع صخب الأولاد الذين ترك اللعب معهم قبل قليل، واندمج معهم في صخبهم حول كرة أعدت من مزق ملابس عتيقة.
نهضت امرأة بعد أن رصّت الأرغفة على طبقها، وقسمت رغيفا، ووقفت مجيلة عينيها:
-يا بنات: أين راح الولد الشحاد؟ أريد أن أتصدق عليه بنصف رغيف عن روح أمواتي...
انتفضت أم أحمد:
-ألا تعرفين من هو الولد يا ...
وأبقت الكلمة في فمها قبل أن تنطلق، فمدت المرأة وجهها:
- لأ ، لا أعرفه يا أم أحمد...
- الولد رشاد، لأ تعرفين الولد رشاد وأن والده محبوس.. محبوس يا..وهو لم يحبس لأنه حرامي..لا سمح الله بل هو بطل..يا...
قال أبوسالم ومحاولاً أن يطفئ نار الغضب
-الحرمة يا أم أحمد نيتها طيبة، مش لا سمح الله...
رفعت صوتها وهي تنحني على صينيتها وتسوي الأرغفة، وتعيد نصف الرغيف:
-والله ما بأعرف الولد. شفت أواعيه ممزقة، وهو واقف يتطلع للخبز ...ماذا أقول؟ فقلت الولد جعاااان يا حبة عيني.
انتبهت على صوت الولد وهو يمد رأسه من الشباك:
-أنا مش شحاد، أنا مع عمتي مليحة..و..بطني مليان والحمد لله.
وطبّل على بطنه الذي يكاد يلتصق بظهره، وحك قدميه الحافيين ببعضهما، ثم استدار واندفع من جديد مع اللاعبين بكرة الشرايط التي تتبعج مع ضربات الأولاد.
رآها تخرج من باب الفرن بخطوات متئدة باحثة عنه بعينيها. توقفت ولفّت يدها والتقطت نصف الرغيف من فوق الطبق ومدته له، فتناوله بسرعة، فابتسمت، ونظرت من تحت الصحن والطبق والخبز المكوم فوقه وكأنها تعيره: أترى أنك جعان. تطلع حواليه، وعندما رأى كلبا سائبا صفّر له ورمى له بنصف الرغيف واستدار صوبها، وحدق بغضب في وجهها، وشدّ جذعه نافخا صدره النحيل، وهو يحك قدميه الذين يغطيهما التراب، فابتعدت وهو تهّز رأسها، وصوتها الحانق خلفها: مش لاقي اللقمة ونفسه شايفة..مثل أبوه المحبوس!
*واحدة من قصص الطفولة غير السعيدة للطفل رشاد...

1