أحدث الأخبار
الاثنين 29 نيسان/أبريل 2024
الغريب المثير للريبة!!
بقلم : رشاد أبوشاور ... 02.08.2023

بدا والدها واجما وهو يتأملها باستغراب. ودّ أن يسألها: أتعرفينه يا ابنتي؟ أما زلت تتذكرينه؟ نحن تركنا المملكة خشية عليك من أن يطلبك للزواج و..يقتلك قبل شروق الشمس،كما اعتاد أن يفعل!
تنبهت على سعال أبيها المفتعل، فاستدارت صوبه، ولحظت على وجهه تساؤلاً:
_أعرفته يا ابنتي؟
_نعم يا أبي..عرفته.
_حاله مثير للاستغراب يا ابنتي!
_ إنه شارد،منذهل، محزون كثيرا...
تساءل الأب وهو يمسّد على شعر لحيته الأشيب الكثيف الذي يتطاير مع نسمات الصباح:
_ هل أوحى لك بشئ ما؟ هل أقلقك ظهوره في حياتنا بعد خمس سنوات من الرحيل بعيدا عن مُملكته؟!
استدارت وتأملت الغريب الذي أسند رأسه عل جذع نخلة، وبدا ساهم النظرات، غارقا في التأملات.
تنهد الأب منشغل البال:
-هربنا من البين، ولكن البين يلاحقنا!
حملت إبريق ماء، وراحت ووقفت عند رأس الغريب، ومدته إليه وهي تنحني قليلاً، ففتح عينيه شبه المغمضتين، ومدّ يده وتناول الإبريق وهو يهمس بصوت واهن:
_شكرا لك يا سيدتي.
فكرت: هو لم يعرفني.لقد هرب بي أبي من المملكة، وتخلّى عن الوزارة لينقذ عنقي من الذبح، ولكن الرجل بلا حول ولا قوّة، وملابسه متواضعة وكل ما يملكه بقجة يحملها على كتفه..فماذا جرى له؟!
لم ينادها والدها باسمها حتى لا يتعرّف عليها شهريار، ولكنه صاح:
-تعالي يا..هيّا...
ولم يصفها بابنته حتى لا يتذكرها الملك التائه الذي يبدو مشردا لأسباب يجهلها هو وابنته.
عندما صارت بقرب والدها طلب إليها أن تستعد للرحيل قبل أن يتعرّف عليهما،فيقع عليهما انتقامه، فردّت على والدها بهدوء:
-أبي: هذا الرجل، الذي كان ملكا يبدو مهدّم النفس، ويبدو لي أنه غادر المملكة مللاً وبغير أسف، فمثله لا ينهزم بسهولة أمام أعداء تألبوا عليه، أو هاجموا مملكته...
-ماذا ترين يا ابنتي؟
_أن نراقبه، فإن رحل بعد أخذ قسط من الراحة بقينا في أرضنا، بل ويمكن أن نعود إلى ديارنا بعد أن ابتعد الخطر عنّا يا أبي..ونلتقي بأسرتنا، وأهلنا، وكل أحبتنا.
صفن والدها في كلامها، ورأى فيه وجاهة، أما هي فدخلت إلى البيت وحملت بعض الطعام وقدمته للغريب التائه النظرات، فنهض و..مدّ يده وتناول صرّة الطعام، واستدار وخطا ببطء وهو يردد:
-شكرا يا سيدتي...
أخذ نفسا عميقا:
-يا لهذا الهواء النقي المنعش..يا لاتساع الفضاء وبهاء امتداد الحقول..شكرا سيدتي لكرمك.تحيّاتي لوالدك العجوز الطيّب.
ومضى بخطى هادئة على الطريق الترابي الممتد، دون عجلة.
استدار وإذ تنبه إليها واقفة تتأمله ابتسم،ولوّح لها مودعا، وغذّ السير مبتعدا.
سمعت صوت والدها:
-يبدو أنه رحل و..الحمد لله.
قالت بصوت حزين:
-ربما يعود.. من يدري يا أبي..من يدري!

1