أحدث الأخبار
الجمعة 19 نيسان/أبريل 2024
تصاريح الحركة الإسرائيلية.. جزرةٍ تُعطى للمقرّبين والمتعاونين وعصا ضدّ المعارضين والمغضوب عليهم!!
بقلم : الديار ... 30.08.2020

بعد نكبة 1948 نجا من التهجير نحو 140 ألف فلسطيني ممن بقوا داخل حدود الدولة اليهودية التي قامت على 78% من فلسطين ولاحقا صاروا يعرفون بـ”فلسطينيي الداخل” وتضاعف تعدادهم عشرة أضعاف وما لبثت أن أعربت إسرائيل على لسان عدد من ساستها عن ندمها لعدم طردهم وعلى إبقاء غصن أخضر صغير نما كما وكيفا فرأت بهم “طابورا خامسا” وذهب رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو لنعتهم قبل سنوات بالعدو الأخطر كونهم عدوا داخل إسرائيل.
هؤلاء عملت إسرائيل منذ اليوم الأول على السيطرة عليهم، تدجينهم وأسرتهم واحتلال وعيهم بعد احتلال وطنهم وطرد ثلثي شعبهم واعتمدت الحكم العسكري المفروض عليهم وسيلة مركزية لتحقيق مآربها.
ويؤكد في هذا المضمار المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار) أن المنظومة الإسرائيلية الاستعمارية عملت على إقامة نظام عسكري استمر من 1948 حتى 1966 يقوم على التدخل والتحكم في حياة الفلسطيني، بغية إبقائه تحت السيطرة باستمرار من خلال آلية الضبط والمراقبة وشكلت التصاريح إحدى أدوات هذه المنظومة.
ويقترح “مدار” تعريفاً لـ”التصريح” بأنه أداة تصنيف للفلسطيني إما بصفته منضبطاً وغير خارج عن القانون أو العكس، ويفضي ذلك إلى كونه أداة ضبط لأن من يخرج عن التصنيف يمكن أن يحكم عليه بالفقر لعدم قدرته على الوصول لأرضه أو العمل، أو بقطعٍ اجتماعيٍ له من خلال فقدان القدرة على التواصل مع أقربائه في المناطق المقسمة استعمارياً أو المعتقلات حتى.
ويهدف التصريح إلى خلق إنسان فلسطيني مطابق لمعايير الاستعمار ولا يقوم بأي حراك سياسي خوفاً من فقدانه لامتياز التصريح، كما يجعله عارياً ويشعر أنَّه مراقب دوماً، ومُراقباً نفسه. وما زال المئات من فلسطينيي الداخل يستذكرون كين تمت ملاحقتهم لـ مجرد “ضبطهم ” يقرأون صحيفة “الاتحاد” الصادرة في حيفا بلسان الحزب الشيوعي الإسرائيلي أو “ضبطهم” يستمعون لخطابات الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر كما أكد عدد من الشيوخ المعاصرين لتلك الفترة وهذا ما أكده مؤرخون كثر آخرهم الدكتور عادل مناع في كتابه الأخير “نكبة وبقاء” وفيه روى صمود فلسطينيي الداخل في العقدين التاليين للنكبة وبقائهم في وطنهم رغم الظروف المعيشية المستحيلة والملاحقات الإسرائيلية وارتكاب مجزرة كفر قاسم خلال تلك الفترة عام 1956.
وحتى الطالب الجامعي كان مضطرا للحصول على تصريح من الحاكم العسكري كي يسافر للجامعة وهذا يتم أحيانا بـ”طلوع الروح” كما أكد لـ”القدس العربي” المحامي علي رافع الذي درس ضمن كلية الحقوق في الجامعة العبرية في القدس. كما أن العمال اضطروا للحصول على تصاريح للخروج للعمل بعد انتظار طويل قبالة مكاتب الحاكم العسكري بظروف غير إنسانية مهمة في سبيل التصريح وتأمين كفاف خبزهم وتتكرر العملية مرة كل عدة أيام كما أكد الدكتور أحمد ريناوي لافتا إلى محاولات ابتزاز المخابرات لخريجي المرحلة الثانوية أحيانا باشتراط موافقتهم على التعاون معها مقابل قبولهم للعمل كمعلمين في المدارس وقتها. وهذا ما يؤكده بالتفصيل المؤرخ الإسرائيلي هيليل كوهن الذي يقول في كتابيه “جيش الظلال” و”عرب صالحون” إن إسرائيل حاولت إخضاع فلسطينيي الداخل وتطويعهم في فترة لم تكن واثقة من نفسها بعد، بعدة وسائل منها الحكم العسكري ومنها ملاحقات المخابرات وجهاز التعليم واحتلال الوعي.
قوانين طوارئ استعمارية
ويتتبع “مدار” تاريخ التصاريح والتحولات التي مرت عليها والأسس القانونية التي تستند إليها والأشكال الجديدة لها موضحا أنه بعد نكبة 1948، فرضت السلطات الإسرائيلية نظام حكمٍ عسكري استمر نحو عقدين على معظم مناطق الداخل المأهولة بغالبية عربية من السكان، واستند ذلك إلى أنظمة الدفاع الانتدابية لحالة الطوارئ المكونة من 162 مادة، 5 مواد منها مرتبطة بالتنقل والأراضي. وفي هذه الأثناء بدأ العمل في نظام التصريح، فقد أخضع الفلسطيني إلى نظام صارم من التصاريح وكلُّ ما رغب في القيام به من نشاطات خارج منطقة سكناه استوجب عليه الحصول على تصريح من الحاكم العسكري.
وكان الحصول على تصريح للخروج من أجل العمل أو العلاج يستلزم الانتظار أمام مكان تواجد الحاكم العسكريّ لساعات أحيانا تحت المطر أو في الحر الشديد وبعدها قد يرفض إصداره.
وقد استخدمت التصاريح، منذ ذلك الحين، كـ(جزرةٍ) تُعطى للمقرّبين والمتعاونين، وكـ(عصا) تُستعمل ضدّ المعارضين والمغضوب عليهم، خاصةً إذا أنه عندما لا تمنح السلطات تصريحاً للعمل فهذا يعني الحكم على طالبه بالفقر والبطالة.
وكان الهدف إلى جانب إخضاع الفلسطيني للحاكم العسكري، تكامل القوانين المرتبطة بالتنقل مع تلك التي تهدف إلى مصادرة الأراضي، فعدم وصول الفلسطيني إلى أرضه يعني تحولها إلى أرض بور مما يتيح لوزير الزراعة مصادرتها ومنحها للكيبوتس أو المستوطنات.
ويشير المؤرخ بروفيسور مصطفى كبها في دراساته عن تلك الفترة أن الحكم العسكري كان وسيلة أيضا لمنع عودة اللاجئين واللاجئين في الداخل المعروفين بالمهجّرين إلى قراهم المحتلة. منبها إلى وثائق تظهر أنَّه تم إلغاء الحكم العسكري بعد هدم عدة قرى كان قد لجأ سكانها إلى مناطق أخرى وأصبح من غير الممكن عودتهم إليها. لاحقاً وبعد احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة، كان الدخول إلى الضفة الغربية وقطاع غزة يحتاج إلى تصريح من الحاكم العسكري، لكن في العام 1972 تم اتباع سياسة الحدود المفتوحة ولم يتم استخدام التصاريح حتى الانتفاضة الأولى. في أيار 1988 فُرض على سكان قطاع غزة استحداث بطاقات هوية جديدة ممغنطة ليتمكنوا من التنقل والمرور عبر الحواجز وهو ما يمكن اعتباره البداية الفعلية للتصاريح المستخدمة اليوم وهي بالطبع استمرار لما طبق خلال فترة الحكم العسكري.
بعد أوسلو
ولاحقا تم إلغاء الأمر العسكري “تصريح الخروج العام إلى إسرائيل” وأصبح كل فلسطيني من الضفة الغربية أو قطاع غزة يحتاج من أجل التنقل عبر الخط الأخضر إلى الحصول على تصريح من أجل ذلك واستندت تصاريح الدخول إلى قوانين الدفاع في حالة الطوارئ البريطانية وهي ذاتها التي تم استخدمها في فترة الحكم العسكري عقب نكبة 1948. في الفترة نفسها، وبما أنَّ التصريح هو أداة سماح/ منع في الوقت ذاته، تم إصدار بطاقات خضراء فرضت على سكان الضفة الغربية لمن تعتبرهم من أصحاب السوابق الأمنية تمنعهم من تجاوز الخط الأخضر.
ومع توقيع اتفاقيات أوسلو عام 1993 وعلى أساس الملحق الثاني فيها تم تثبيت نظام التصاريح من خلال منظومة بيروقراطية كاملة، وأصبح الفلسطيني يحتاج إلى تصريح من أجل الرعاية الطبية والتعليم وزيارة العائلة ولم شمل العائلات. وتعززت منظومة التصاريح بشكلٍ أساس عقب الانتفاضة الثانية وبناء الجدار الفاصل. تغير شكل التصاريح لم يكن على المستوى التقني بل على مستوى تقسيم الأذونات، وشكلت لها منطقاً بيروقراطياً ضمن منظومة الاحتلال، فقد أشارت منظمة “محسوم ووتش” إلى أنَّ هناك 101 نوع من التصاريح التي يحتاجها الفلسطيني للتنقل.
البطاقات الممغنطة
ويستند حصول سكان الضفة الغربية على تصريح على أساس القانون العسكري الصادر العام 1967 باعتبار الضفة الغربية منطقةً عسكريةً مغلقةً، والدخول والخروج منها يتطلب إذناً من القائد العسكري، أما سكان قطاع غزة فيتم ذلك بموجب قانون الجنسية والدخول إلى إسرائيل الصادر العام 2003.
وفي العام 2004 أعادت إسرائيل استخدام البطاقات الممغنطة وتم ذلك في قطاع غزة من أجل السماح لسكان المناطق القريبة من المستوطنات بالتنقل. وترافق استخدام البطاقات الممغنطة مع إصدار تصريح وذلك من أجل تسهيل عملية الحصول على تصريح، ويتم إصدار هذه البطاقات من خلال 31 مكتباً تابعاً لما يعرف بـ”وحدة التنسيق” في حكومة الاحتلال.
لاحقاً وبعد العام 2010 أصبح هناك اتجاه نحو تغيير البطاقات الممغنطة إلى هوية بيومترية، ويقوم الشخص الذي يرغب بالحصول عليها بتسليم بصماته وكذلك صورة للوجه ورغم أنَّ هذه الاتجاه كان بالأساس نحو من يحمل الجنسية الإسرائيلية أو الإقامة في مدينة القدس إلاّ أنَّه ينسحب مباشرةً على سكان الضفة الغربية. ورغم غياب هذه القرارات المكتوبة لكن تقرر منذ أبريل/ نيسان 2019 أن يُلزم كل من يحمل تصريحاً ويريد المرور عبر الحواجز الإسرائيلية باصدار بطاقة ممغنطة من أجل ذلك وهذا ترافق مع عملية تحويل الحواجز الإسرائيلية إلى حواجز “ذكية” قادرة على قراءة هذه البطاقات بشكلٍ سريع.

**المصدر : القدس العربي
1