أحدث الأخبار
الثلاثاء 23 نيسان/أبريل 2024
قانون طوارئ إلكترونيّة يهجّر السوريين من مواقع التواصل !!
بقلم : عدنان عبد الرزاق ... 05.01.2022

كان لافتاً إعلان المذيع حسين سليمان على وسائل التواصل "أنه سينسحب من جميع وسائل التواصل، إن صدر قانون الجريمة المعلوماتية"، وهو المقرّب من نظام بشار الأسد والموثوق به ليقدم نشرات الأخبار الرئيسية على التلفزيون الرسمي السوري. تبيّن أن الإعلامي سليمان سبق أن تعرّض للوعيد بعد كتابته أخيراً منشورات على وسائل التواصل، منها منشوره الأكثر شهرة حول قلة الدخل والغلاء والقمع في سورية، مشيراً إلى اعتكافه بالمنزل "أنا لا أخرج من بيتي لضعف حيلتي المادية، فراتبي لا يكفي لمعيشتي مع عائلتي ثلاثة أيام، وضعف حيلتي المعنوية بسبب مسؤول بليد متسلط جائر فاشل يحكمني في عملي". مضيفاً "ولضعف إيماني بتغيير الحال اللهم إني قد بلغت".
بالتواصل عبر "الماسنجر" مع سوريين نشطين على "فيسبوك"، استجاب عدد قليل منهم تمنى التواصل عبر "واتساب"، لأن محادثاته محمية، بينما "فيسبوك" مخترق و"هناك رقابة شديدة هذه الفترة". إعلامي وزميل سابق رد على الرسالة "لدينا أنظمة فرنسية وإيرانية بفروع المخابرات لمتابعة وسائل التواصل، الوضع خطر أرجو المعذرة". وآخرون ردوا بغضب وامتعاض واصفين البلاد بـ"السجن الكبير"، فحتى "الفضفضة" على وسائل التواصل ممنوعة وتؤدي للسجن.
يقول المحامي محروس فؤاد من دمشق عن القانون الجديد ومخاوف السوريين منه، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ القانون معّد منذ فترة، و"لكن كنا نتوقع تجميده لأنه قانون طوارئ ويمكن، عبر مواده الـ47، اعتقال وتغريم كل من يتناول المسؤولين أو الواقع المعيشي أو حتى موظفاً حكومياً". لكن وسائل إعلام روسية أشارت قبل أيام إلى اقتراب عرض مشروع القانون على البرلمان، ليصدر قانوناً، ليعرف السوريون أخبارهم الداخلية من وسائل إعلام خارجيّة، بينها إيرانيّة وروسيّة. ويضيف المحامي السوري أنّ نص القانون أعدته وزارة الاتصالات في حكومة بشار الأسد، وبحال صدروه، سيلغي ما قبله من قرارات وقوانين بهذا الشأن، أهمها المرسوم التشريعي رقم 17 لعام 2012 والمعروف بالاسم ذاته "الجريمة الإلكترونية أو المعلوماتية".
وعن الفارق بين القانونين، يشير القانوني فؤاد إلى أن المشروع الجديد، "بحسب ما علمنا لأنه غير متوفر"، يشدد العقوبات لتصل إلى السجن سنوات طويلة، بمجرد أن أفشيت معلومة على وسائل التواصل تتعلق بجهة عامة. ويوضح أنّ "المعلومة ربما تكون بديهية ومعروفة"، ما يعني بالتالي تبريراً لاعتقال أي سوري بالداخل يعاني من ضيق المعيشة، إن تكلم على وزير التجارة أو انتقد غلاء الأسعار وغياب رقابة الحكومة. ويقول فؤاد "هنا لا نتكلم عن نقد سياسي أو التحدث عمّا آلت إليه سورية بواقع الاحتلال وتلاشي الحاضر والمستقبل". والأخطر، برأي القانوني السوري، هي الغرامات المالية بمشروع القانون الجديد، إلى جانب السجن، أو منفردة، والتي تصل إلى دخل السوريين لنحو ست سنوات، وهي سبع ملايين ليرة سورية (تتأرجح الليرة السورية مقابل الدولار وتخطّت قيمة الدولار الأميركي الواحد 2500 ليرة سورية).
وحول الاختلاف بين قانوني "القمع"، يضيف فؤاد أنّ المرسوم السابق (17) قلّما يتعلق بعقوبات النشر عدا المادة 23 العامة، بل يركز على مخالفات المعلومات عبر الشبكة، مثل اختراق حساب، ابتزاز، قرصنة أو تزوير إلكتروني، لكن مشروع القانون الجديد يركز على النشر أولاً وعقوبات كل من يسيء للشخصيات الحكومية أو ينشر معلومات عن الواقع المعيشي أو التركيبة الديموغرافية الجديدة بسورية. ويضيف أن "الشماعة الكبرى" بالقانون الجديد هي الإساءة لشخصيات عامة أو نشر أخبار كاذبة، والأخطر برأيه اتهام النيل من هيبة الدولة ووهن نفسية الأمة، وهذه تهم عامة يمكن إلباسها لأي ناشط أو ناقد أو حتى ممتعض من الوضع الخانق بسورية.
إعلام وحريات
وكان نظام بشار الأسد قد واكب أحداث الثورة السورية وبداية النشاط الشعبي على وسائل التواصل الاجتماعي بإصدار المرسوم التشريعي رقم 17 لعام 2012، بذريعة أن سورية وقعت عام 2010 على اتفاقية محاربة الجريمة الالكترونية، لكن ذلك "عذر أقبح من ذنب" برأي الإعلامية "ح.م" من دمشق، التي تقول ساخرة، خلال حديثها مع "العربي الجديد"، من "محاربة جريمة إلكترونية واقتراف جرائم كبرى بحق الإنسان وسورية". وتلفت الإعلامية السورية إلى أن القانون رقم 17 لم يلق طريقه للتطبيق "إلا خلال حالات استهداف خاصة"، ولكن بعد إحداث "ضابطة عدلية معنية بالجرائم الإلكترونية بسورية عام 2018، رأينا توقيفاً واعتقالات وتجريماً لمجرد كتابة منشور على وسائل التواصل. خير مثال على ذلك اعتقال زميلتنا هالة الجرف، المذيعة بالتلفزيون، العام الماضي، بسبب منشور، حيث لم يشفع لها تأييدها النظام وتطبيلها خلال تسع سنوات".
كما تؤكد الإعلامية من دمشق اعتقال عديد من الإعلاميين، مذكّرة باعتقال كنان وقاف ثلاثة أشهر، وغيره كثيرين، فقط لانتقادهم الفساد والشكاية من الغلاء وتردي الواقع المعيشي. وتنهي الإعلامية حديثها قائلةً "الأفضل التوقف عن النشر عبر وسائل التواصل لأن القانون الجديد، إن أقرّ، سنكون جميعنا عرضة للاعتقال والتغريم". تشير مصادر رسمية من دمشق إلى أن العام الفائت فقط شهد أكثر من 2300 ضبطاً لجرائم معلوماتية، منها ما نسبته 70 بالمئة متعلق بالسب والشتم وانتقاد الوضع العام. وتنقل المصادر عن رئيس فرع مكافحة الجرائم المعلوماتية في إدارة الأمن الجنائي، لؤي شاليش، أن عدد الموقوفين العام الماضي بتهم جرائم معلوماتية بلغ 150 سورياً، "معظمهم ناشطون وإعلاميون"، وأن "إذاعات بحث" (ملاحقات) صدرت بحق 300 سوري.
ويرى صاحب الموقع الإلكتروني "جريدة" بدمشق، طلب عدم ذكر اسمه، أن الوضع "سيئ للغاية"، شارحاً لـ"العربي الجديد" أن "الناظم لعمل المواقع والجرائد الإلكترونية كان القانون 26 لعام 2011 المسمى "قانون الإعلام الإلكتروني"، ولكن يتم التعامل معنا ومراقبتنا وفق قوانين الجرائم الإلكترونية"، كاشفاً أن "نظام بشار الأسد خصص محكمة ومستشارين و85 قاضياً للبت بقضايا الجريمة الإلكترونية، فتراجع النشر عما يتعلق بالوضع المعيشي والفساد وما تعانيه سورية، لأن القوانين هنا "مطاطة" ويمكن اعتقالنا بسهولة، كما حدث مع مازن الهندي وكنان وقاف الذي اعتقل خلال عمله بمؤسسة الوحدة الحكومية بمدينة اللاذقية". ويختصر صاحب الموقع الإلكتروني من دمشق الوضع بالإشارة إلى أنّ القوانين الجديدة "أدوات لإسكات الناس بحجة "أمن الدولة"، لذا قد يهجر معظم السوريين وسائل التواصل، أو يكتبوا حول الفن والرياضة لأن الكتابة عن الطبخ ممنوعة وقد يفهم منها التشكي من الغلاء وتجويع السوريين".
*المصدر : العربي الجديد

1