أحدث الأخبار
السبت 27 نيسان/أبريل 2024
ما الذي فعلتموه بالإسلام!!
بقلم : سهيل كيوان ... 18.09.2014

انتشرت بشكل واسع عبارات ومقولات مثل»هذا ليس هو الإسلام الحقيقي»،»هؤلاء متأسلمون وليسوا مسلمين»،»هذا إسلام سياسي وليس إسلاما حقيقيا»،»هؤلاء يتسترون بالدين لتحقيق أهدافهم»، هذه المقولات تزداد طرديا كلما زادت الممارسات المسيئة التي يقوم بها كثيرون باسم الدين وبغطائه وتحت رايته بشتى أشكالها وألوانها، حتى صار يبدو أنه لا يوجد إسلام واحد، بل هناك مجموعات بشرية مختلفة كل منها يدعي الإسلام، وصار الإيمان مفهوما مطاطيا يبدأ من ابتسامة الصدقة في وجه أخيك وإماطة الأذى من الطريق والرفق بالحيوان حتى المقاطعة والتعنيف والشتم والأذى والتحريض على القتل للمختلف في المذهب أو الطائفة والمعتقد.
وأسهم بهذا الفضائيات الدينية الكثيرة لمختلف المذاهب والطرق، والفيديوهات التي تنشر على صفحات المواقع الإجتماعية التي يتحدث كل منها عن فرقة ما من هذه الفرق أو المذاهب ويدعو لها ويهاجم الآخرين ويحتقرهم، وهذه تعمل بلا ضوابط ولا رقابة ولا ردع، فقبل الفضائيات ومواقع التواصل كانت تبدو الأمور منضبطة وتحت سيطرة ورقابة تمنع التحريض ونشر الفتنة، ربما كانت موجودة ولكن في حلقات ضيقة وبصورة سرية، وليس هذا فقط، فقد كنا نسمع من رجال دين من مختلف الطوائف والمذاهب ما يقرّب القلوب ولا يفرق، كان هناك حذر كبير ويقظة من الفتن المذهبية والطائفية، كنا نسمع ما يجمع ويحث على التعايش مع المختلف والبحث عن نقاط الضوء لدى الإنسان كإنسان بغض النظر عن عقيدته أو مذهبه.
الآن ترى وتسمع ولا تصدق أن هذه الشتائم واللعنات والتحريض يأتي ممن يسمونهم دعاة.
والغريب أن دموع بعضهم قد تنثال وهم يحرّضون ويشعلون نار الكراهية! وتسأل نفسك كيف يمكن لمؤمن بالله ورُسله واليوم الآخر أن يأخذ بما يفرق ويخرّب ويؤدي للعنف في بلده وأمته ويترك ما يجمع ويعمّر ويؤدي للإحترام والمحبة!
تعجب من داعية يجتهد في نبشه وتحليلاته الغريبة لإثبات ما يسيء لمئات ملايين المسلمين من مذاهب أخرى غير مذهبه أو فرقته أو طائفته، إساءات تغيظ وتوغر الصدور حقدا، وتسأل نفسك لماذا يصر هؤلاء الدعاة على الفتنة، ليس بين المسلمين فقط، بل بين مختلف أبناء البشر، لماذا يبدون وكأنهم مصرون على إراقة الدماء بلا وازع من مسؤولية، فكأنهم يسكبون بأفواههم البنزين على الحرائق المشتعلة !
تسمعهم وتتساءل أي إيمان هذا؟ إلى أين وصل هؤلاء بتقوقعهم وحفرهم تحت أرجلهم في الأوحال !إن ما تسمعه منهم يجعلك تشك بأنهم مدسوسون من قبل أجهزة مخابرات عالمية هدفها إشعال أوار حروب طائفية ومذهبية تأتي على الأخضر واليابس في بلاد العرب والمسلمين، لإبقاء الأمة في صراعات داخلية دموية إلى يوم الدين، ولكنك توقن أنهم ليسوا عملاء ولا هم مدسوسون بل هم أخطر من ذلك، لأنهم مؤمنون بما يرددون، ويشعلون الفتن على أكمل وجه وبقناعة تامة. يبثون وهم يختنقون بعبراتهم تأثرا حتى يبدو كأنهم يظنون أن إراقة الدماء هي تراث ديني نفيس يجب الحفاظ عليه وتنميته.
وما يثير الأسى هو أن لهؤلاء جمهورا واسعا يتصل ويشارك في بث الفتنة والتحريض على المذهب الآخر أو على أبناء الطوائف الأخرى ،يتحدثون بتأثر حتى البكاء في حالة تشبه الهذيان.
لقد انتشرت أصوات الفتنة والتفرقة والتحريض على المختلف كالسيول المدمرة، وباتت الأصوات العقلانية الداعية للتسامح بين المذاهب والأديان المختلفة نادرة، صرت تتمنى أن تسمع صوتا دافئا يجمع ولا يفرق، يؤلف ولا يستفز.
هل فُقدت الإنسانية التي هي لب وغاية كل دين وخصوصًا الإسلام! هل تحولت المذاهب والطوائف كما الأحزاب والتنظيمات التي تضـــع التنظيم فوق الإنسان وتحوّله إلى كائن غبي ينفذ الأوامر! هل أصبح دين الرحمة والتسامح تنظيما دنيويا لتحقيق مآرب هذه المجموعة أو تلك من القوى المتنفذة!
أين أصوات الدعاة الذين يحترمون الاختلاف ويدعون بالحسنى، أين الصوت المتمسك ب» ولو شاء ربك لآمن من في الأرض جميعا» «من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر»! أين تراجع النموذج الذي يؤمن بأن الله خالق المؤمن والكافر والعاصي والمطيع ويطعم ويسقي ويرزق هذا وذاك وليس من حقك كبشر أن تتدخل في قضية الإيمان لأنها بين الإنسان ونفسه وخالقه، أين»ولا تجادل أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن» «وما على الرسول إلا البلاغ المبين»، أين احترام الآخر أولا وقبل أي شيء لإنسانيته وكونه مخلوقا من مخلوقات الله-»ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة»! أين تميُّز الإسلام عن غيره في مجال الرحمة واستيعاب الآخر! لماذا باتت أوطاننا جحيما نهرب منه، بل ونتمنى أن نُقبَل كلاجئين في بلاد لا علاقة للدين فيها بالدولة، فنركب الأهوال وقد تبتلعنا الأمواج في الطريق إليها ونتعرض للإبتزاز والتنكيل في طريقنا إليها.
لقد انتشر الإسلام واتسعت رقعته واعتنقه ملايين البشر من شتى أنحاء المعمورة نتيجة تعامل المسلمين وأخلاقهم السامية التي رأى الآخر بها نموذجا يحتذى لفعل الخير ودرء الشر والأمانه وصدق اللسان واليد والتسامي على الغرائز الحيوانية فيه، وما يمنحه الإيمان من راحة نفسية وسلام داخلي، تلك القيم قلدها واتبعها عشرات وربما مئات الملايين بدون إكراه ومن دون جيوش ولا سيوف.
لقد تحول الإسلام في السنوات الأخيرة على ألسنة وبأيدي غلاة الدعاة إلى مصدر قلق للمسلمين ولغيرهم في بقاع كثيرة من الأرض، ونجح هؤلاء الدعاة إلى حد كبير بنقل صورة عنيفة عنه نتيجة أعمال أتباعهم المعبّئين ضد المختلف. وطبعا هناك من يتربص ويستثمر هذا الانهيار القيمي ويحرّض ضد العرب والمسلمين ويشيطنهم كي يسهل ضربهم وشرذمتهم كي يبقوا ضعفاء لأهداف وأطماع في ثرواتهم وأراضيهم وحتى في مقدساتهم ،حتى أنهم حين يتعرضون للاضطهاد الديني في مناطق مختلفة من العالم لا يهتم لأمرهم أحد، فهل من يسمع ويدرك ويوقف هذا النهج المدمّر!

1