أحدث الأخبار
الجمعة 29 آذار/مارس 2024
الفقر واليأس يغذيان الإقبال على الإنتحار في تونس!!
بقلم : ناجح الزغدودي  ... 07.03.2015

ضعف التواصل الأسري والمجتمعي يقتل شباب القيروان حيث سجلت بعض المناطق الريفية فيها أرفع نسبة في قتل النفس.
تونس - ضيق ذات اليد وضعف سياسات التنمية وغياب الحافز والتواصل الإنساني بين مكونات المجتمع ونقصد به الحوار، عوامل يراها الخبراء، بمثابة "دوافع" للانتحار في تونس التي شهدت مؤخرا تزايد عمليات قتل النفس دفع كثيرين إلى إسباغ وصف "الظاهرة" عليها، وقاد آخرين إلى البحث في حلول ناجعة لها تتضمن سياسة اجتماعية شاملة والحث على تبني نمط للعيش السليم.
وفق دراسة أعدها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (غير حكومي)، تصدرت محافظة القيروان، وسط تونس، نسب حالات الانتحار بتونس عام 2014، بواقع 31 حالة انتحار من مجموع 203 حالات بكامل البلاد، حيث تم تسجيل 304 حالات انتحار عام 2013.
وفي العام الماضي، أصدر مفتي الجمهوريّة التونسيّة السابق، حمدة سعيد، بيانا أكد فيه أن "قتل النفس بالحرق أو الغرق أو بالخنق أو بأي وسيلة، حرام في الإسلام”، داعيا "كل المسلمين إلى عدم الالتجاء إلى حل الانتحار مهما أصابهم من بلاء الدنيا وضيقها"، في محاولة لكبح جماح الظاهرة التي تزايدت وتيرتها في المجتمع.
إلا أن هذه العمليات تواصلت منذ ذلك التاريخ وسجلت البلاد، انتحار 23 شخصا في شهر أغسطس 2014، ثم 27 حالة في ديسمبر من نفس العام. وتركزت حالات "الانتحار" بمحافظة القيروان في مناطق مثل "العلا" و"الوسلاتية "و"حفوز" و"بوحجلة". ووفق تقرير المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، سجلت "العلا" وحدها نحو 15 حالة بين أبريل 2014 وديسمبر 2014 وسجلت نسبة عالية منها في صفوف التلاميذ والمنقطعين عن الدراسة، علما وأن هذه المنطقة تتصدّر أسفل الترتيب التنموي على السلم الوطني وهو 260 من أصل 264 منطقة في كامل أنحاء الجمهورية، حسب معطيات قدمها النائب بالبرلمان طارق الفتيتي.
وحسب المنتدى، تراوحت أسباب تفاقم الظاهرة، بين عوامل اجتماعية ونفسية واقتصادية، كما شملت حالات الانتحار مختلف الفئات العمرية وتراوحت بين 9 سنوات و75 عاما من التلاميذ والموظفين والعاطلين والمزارعين والتجار. إلا أن المنتدى أفاد بأن القاسم المشترك بين هذه الحالات هو انتماؤهم إلى المناطق الريفيّة بمحافظة القيروان التي يشكل فيها سكان الريف حوالي 68 بالمئة من عدد السكان المقدر بـ600 ألف، وفقا لإحصائيات رسميّة.
وأفاد عبدالستار السحباني، وهو مختص في علم الاجتماع بتونس وقد أجرى دراسة حول الانتحار، بأنه “تم تسجيل 18 حالة انتحار أطفال عام 2014، مشيرا إلى أنّه "من أهم أسباب هذه الظاهرة غياب الحوار بين مكونات الأسرة والأطفال الذين يعانون من حالة اكتئاب، بالإضافة إلى غياب الحوار في الوسط المدرسي مع المربي".
ويضيف السحباني أن “تونس شهدت 203 حالات ومحاولات انتحار في 2014، أي بمعدل 17 حالة ومحاولة شهريا”، موضحا أن “الشريحة العمرية بين 26 و35 سنة هي التي تتصدر حالات الانتحار بـ60 حالة فيما بلغ عدد حالات انتحار الأطفال 18 حالة من بينها 12 حالة تخص الفتيات”. وبخلاف إحصائيات المنتدى التونسي للحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة، لا توجد أرقام دقيقة ولا دراسات رسميّة تهم جهة القيروان سواء لدى وزارة الصحّة أو الشؤون الاجتماعيّة أو وزارة الداخليّة.
وتربط المنظمات الحقوقية التونسية بين ارتفاع نسب الانتحار، وتدني حظوظ التنمية وصعوبة الظروف الاجتماعية بمحافظة القيروان التي شهدت تحركات احتجاجية فردية وجماعية من أجل مطالب التشغيل وتحسين ظروف العيش خلال الفترة الماضية.ووفق فرج خماري، رئيس قسم النهوض الاجتماعي بالقيروان (حكومي)، تتنوع أسباب الانتحار في تونس، وفي قلبها العوامل الاجتماعية النابعة من العزلة والفقر، لافتا إلى أن محافظة القيروان سجلت 4.5 بالمئة كنسبة فقر عام 2014 وهي نسبة معنية بالأشخاص الذين "لا يتجاوز مستوى دخلهم اليومي دينارين" (حوالي 1 دولار).
وإلى جانب العوامل الاجتماعية، حدد تقرير المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، أسبابا أخرى للظاهرة، تتعلق بغياب الأب عن العائلة وغياب المرافق الأساسيّة من ماء وطرقات وتغطية اجتماعيّة وصحيّة والإخفاق المدرسي لدى التلاميذ نتيجة غياب التواصل بين مختلف مكونات المنظومة التربوية والتعليمية والأسرة.
وقالت ريم سعيدان، الأخصائية الاجتماعية بإدارة الشؤون الاجتماعية بالقيروان (حكومي) "لم يعد مستغربا تحول الانتحار إلى ظاهرة بحكم التغيرات المتتالية الحاصلة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي ونسق الأحداث المتتالية التي تتسبب في إحباط نفسي”، مضيفة "اقترن الانتحار بفعل ثوري أو موقف من الحياة وهي صورة لعب الإعلام دورا في التسويق لها دون الأخذ بعين الاعتبار ما قد يؤثر في هذه النفوس خاصة لدى الأطفال". واعتبرت سعيدان أن "حل الظاهرة سياسي بالأساس، ويجب أن ينطلق من تبني سياسة اجتماعية عاجلة تمكن من حلول قريبة المدى وبعيدة الأهداف".
وحملت حنان الحليوي، رئيسة مصلحة الطب المدرسي والجامعي بالقيروان والأخصائية النفسيّة، الإعلام مسؤولية "التسبب في استفحال ظاهرة الانتحار بالتناول الخبري دون التعهد بالتوعية والتحسيس". ومن الحلول التي تقترحها الدكتورة الحليوي "توخي نمط العيش السليم من حيث الغذاء والأنشطة الرياضية والثقافية والتربوية".
يذكر أن الثورة التونسية انطلقت شرارتها بعد أن أقدم الشاب محمد البوعزيزي، على إحراق نفسه يوم 17 ديسمبر سنة 2012،وأصبح الانتحار حرقا أو التهديد بالحرق بمثابة "الرمزيّة الثورية في تونس".

1