أحدث الأخبار
الاثنين 29 نيسان/أبريل 2024
الثورة امرأة…!!
بقلم : سهيل كيوان ... 07.05.2015

يقاس نجاح أو فشل الأنظمة والثورات بموقفها من المستضعفين في المجتمع وإنصافهم، من خلال منحهم الفرص المتساوية في تحقيق الذات، بدون تمييز قومي أو ديني أو مذهبي أو عنصري أو جنسي أو حزبي، وعلى رأس هؤلاء المستضعفين في المجتمعات العربية وبشكل صارخ هي المرأة.
وعندما نقول تحرّر المرأة، لا نقصد التحرّر الشكلي الدعائي، وتسليعها، حيث تتمركز «حرّيتها» بعروض الأزياء والماكياج ونعومة البشرة والقوام الرشيق والبيديكور والمينكور، وكيف تلوي إليها أعناق الرجال! ولا دوس القيم الاجتماعية والانحلال بحجة ( جسمي وأنا حرة فيه)، ولكن نعني تحرّرها الذهني ومساواتها بالفرص مع الرجل في الفكر والتعلّم والعمل والإنتاج والإبداع وتحقيق الذات في كل مجالات الحياة.
إن مجتمعًا يُسلّط ظلمه واستبداده على الأنثى بصورة مَرَضِية بحجج وأعذار ذكورية، لا يمكن أن يكون حُرًا هو نفسه برجاله ونسائه وأطفاله، وستبقى المرأة سلاحًا يُسلّطُ ضده بهدف إبقائه تحت نير العبودية التي تتخذ أشكالا وأقنعة مختلفة، ســـواء من قبل أنظمة تدّعي التقدمية والانفتاح ودعم المرأة وفي الوقت ذاته تقــــمع وتدوس الرجــــل والمرأة وكل القيم الإنسانية في سبيل بقائها في السلطة ورفض تداولها لتحافظ على امتيــــازاتها وفسادها ونهب ثروات الشعب، أو من قبل أنظمة غارقـــة في التخلف والاستبداد، تتخذ من الإمعان في قمع المرأة وتغييبـــها العقـــلي والجسدي طريقًا سهلا لاستعباد الرجال من خلال تجهيل أمهاتهم، وتصوير الأنثى كشـــيطان ذي نوايا دائمة الخبث والرجل في حـــالة دفـــاع مــســـتمر عن روحه وشرفه وكرامته ودينه أمامها، ليغدو الشغل الشاغل للرجـــال هو المرأة وملحقاتها كاللباس والكلام والحركة والسفر والتعلّم وتحقيق الذات والهوايات وغيرها، ليصبح الرجل «الحُرّ» هو الأكثر قمعًا لإناث أسرته وبيئته، بينما هو لا يجرؤ على رفع رأسه أو تحريك لسانه أمام كرباج النظام الاستبدادي.
إن أكبر مصدر ثروات للبشر ليس كنوز الأرض من البترول والغاز والذهب والمعادن الأخرى مع أهمية كل هذا، بل إن ذهن الإنسان، هو الثروة الكبرى، وهذا يشمل الذكر والأنثى، فالبلدان المتقدمة تتقدم ليس فقط لأنها غنية بموارد طبيعية أكثر من غيرها، بل لأن هناك استثمارًا في العقول منذ الطفولة للإناث والذكور، بحيث تنمو على حرية الفكر والإبداع التي تؤدي في نهاية الأمر إلى نشوء أجيال من المبدعين للحياة من خلال الاختراعات والاكتشافات العلمية التي تعود على شعوبها والبشرية عمومًا بالخير والتقدم والرفاه وتقبّل المختلف في الدين والمذهب والقومية والجنس واللون، ولهذا السبب تقوم الدول المتقدمة بشراء العقول لاستثمارها والاستفادة منها، فكثير من العقول في الغرب وأمريكا تم استيرادها واستيعابها من بلدان العرب والعالم الثالث التي لم تقدر قيمة عقول أبنائها وبناتها، ولم تمنحهم فرص التقدم والإبداع في أوطانهم.
تغييب عقل المرأة هو أكبر المصائب، لأنه يعني تعطيل عقل الأمة كلها، لهذا نستطيع القول إن الأمم المتخلفة، هي التي تكون فيها الأم جاهلة ومتخلّفة، والأمم المقموعة تكون فيها الأم مقموعة، فالأم هي الأُمَّة، والأمة الفقيرة هي الأمة التي غيّبت ذهن المرأة، وحرمتها من تحقيق ذاتها، وبالتالي غيّبت أكثر من نصف طاقاتها.
عندما نبحث في مستوى حياة الأفراد والدخل القومي في العالم والرفاه، نرى أممًا وشعوبًا فقيرة بثرواتها الطبيعية، ورغم ذلك تعيش في بحبوحة ومستويات متقدمة في كل مجالات الحياة، في المقابل نرى بلدانًا غنية في مواردها ولكن مستوى الحياة فيها متدن، كذلك مستوى جامعاتها والتعليم فيها، ونرى أن قدرتها على الاكتشافات العلمية تكاد تكون معدومة، وعمومًا فهي دول استهلاكية غير منتجة، وهذا نتيجة لتغييب عقل الإنسان عمومًا بعد تغييب عقل المرأة. ولهذا فإن الثورة تعني في ما تعنيه تفجير القدرات الذهنية الكامنة لدى نساء الوطن وطاقاتهن، الأمر الذي يعني تقدم الوطن، فلا ثورة مع تخلّف المرأة وقمعها ومحاربتها تحت أي مسمى، ولا حرية ولا عدالة في مجتمع يقمع جوهر الحرية وهو المرأة.
دلائل كثيرة تقول إننا نقترب نحو نهاية مرحلة من تاريخ سوريا الحديث، وبالتالي دخول سوريا والمنطقة في مرحلة جديدة. إلا أنها لا تبدو في الصورة التي طمح إليها شعب سوريا في مطلع ثورته، فهذا ليس ما ثار لأجله ودفع دماءه مهرًا له، فالهدف لم يكن إسقاط بشار الأسد فقط، بل إسقاط نهج دكتاتوري قامع مجرم مستبد فاسد ناهب لخيرات الشعب.
الذين خذلوا شعب سوريا في بداية ثورته وحرموه من نصر كان وشيكًا بدون إراقة كل هذه الجداول من الدماء، وبدون كل هذه الفظائع التي جعلت الإنسان يشكك بكونه إنسانًا، وتركوه يتيمًا أعزلَ في مواجهة حرب إبادة، لن يمنحوه الحرية التي حلم بها، من منحوا القوة لعصابات مشبوهة إرهابية عزّزت وعمّقت الطائفية والمذهبية واحتقرت المرأة والتقت مع النظــــام في صناعة الإرهــاب لإفشال الثورة وحرف مسارها، لن يرضـــوا بالحــــرية الحقيقية للشعب السوري، لا السياسية ولا الاجتماعية، وخصوصًا تفجير طاقات المرأة وتوفــــير الأدوات لها لتحقيق ذاتها، ولهذا فالمهمة التي تنتظر الشعب السوري ليست فقط التخلص من النظام الحالي المجرم، بل ومنع السطو على الثورة من قبل إرهابيين وداعمين لهم، ليسوا سوى الوجه الآخر للقمع والظلم والإجرام الذي انتفض ضده شعب سوريا العظيم..

1