أحدث الأخبار
الجمعة 26 نيسان/أبريل 2024
الحلاق والثورة… «نعيمًا»!!
بقلم : سهيل كيوان ... 28.05.2015

قررتُ زيارة الحلاق يوم الاثنين، وجدت الصالون مغلقا، عدت في المساء فوجدت الحلاق. جلست بين يديه وقلت: أين كنت طيلة النهار! جئت ولم أجدك! فقال: أنا لا أشتغل في نهار يوم الاثنين…
-آه، يوم عطلتك؟
- لا بالعكس، الإثنين خصصته للعمل التطوعي!
-أين؟ وبماذا تتطوع؟
-أحلق للناس!
-يعني تدور في الشوارع وتسأل من يريد أن يحلق، أم ماذا؟
- لا طبعا.. أنا لا أحب الحديث بهذا الأمر، ولكنني متطوع في مستشفى (الجليل) في (نهاريا)، أقوم كل يوم اثنين بزيارة المستشفى، أحمل معي عدة الحلاقة وأدور على غرف المرضى، غرفة غرفة، وأسألهم واحدا واحدا، من يريد أن يحلق رأسه أو ذقنه أو كليهما!
-كل احترام .. كيف اتخذت هذا القرار، ومتى؟
- منذ سنوات، خلال زياراتي للمرضى من الأصدقاء ومن العائلة والبلدة في المستشفيات، لاحظت وجود أقسام وعتاد كثير بأسماء متبرعين يهود وأجانب من كل أنحاء العالم، ولم أر سوى القليل من التبرعات بأسماء عربية، رغم أن أكثر نزلاء المستشفى هم من العرب، واتخذت قرارا بأن أحلِق للمرضى تطوعا!
-إني أغبِطُك، كل احترام…
-هل تعرف النشوة التي أشعر بها عندما أمارس هذا العمل، طبعا أحلق للعرب ولليهود بدون تمييز، اليوم بالذات شعرت بسعادة كبيرة!
-هل كان لديك كثير من «الزبائن»؟
-ليس هذا السبب، اليوم نجحت بإقناع أحد المرضى بأن يحلق، كانوا يرجونه منذ أسابيع بأن يحلق ولكنه يرفض، يبدو أنه في حالة اكتئاب، إنه من إحدى القرى السورية في الجولان.
-تقصد الجولان المحتل أم من الداخل السوري؟
-من الداخل السوري، من المرضى الذين تستوعبهم إسرائيل للعلاج، كان يرفض حتى الكلام، أصررت أن أحلق له شعر رأسه ولحيته، وبعد لأيٍ، وكلمة من هنا وأخرى من هناك ارتاح لي ووافق، بعد أن حلقت له تبدلت نفسيته، فدخل الحمام واستحم وخرج وقد علت وجهه ابتسامة حزينة، تغير كل شيء، سعادتي الأكبر كانت عندما وقفَتْ زوجته ورفعت كفيها إلى السماء تدعو لي ولأولادي وبيتي بالتوفيق، أنت لا تعرف أي شعور هذا!
-هؤلاء المساكين يهاجمهم البعض، يريدونهم أن يتحملوا سكاكين وبراميل النظام وشبيحته، ثم رحمة (داعش) التي لا أحد يعرف بأي قالب يضعها، ثم يتهمونهم بالخيانة إذا ما دخلوا هنا للعلاج! فليسأل هؤلاء أنفسهم ما الذي أرغم هؤلاء الناس على طلب العلاج لدى أعدائهم! على كل حال هذا ليس كرم أخلاق من إسرائيل، فأخلاقيات إسرائيل معروفة للجميع حتى للأوروبيين، فهي تحاصر قطاع غزة وتخنقه حتى الموت، بما في ذلك المرضى والعجزة والأطفال، وجرائمها بحق شعوب المنطقة وبحق شعبنا أكثر من أن تحصى، لكنها من خلال إدخالها المحتاجين للعلاج من الجانب السوري تحقق مكسبا سياسيا إعلاميا، لتبدو أكثر رأفة بالبشر مما هي في الواقع، وذلك عند مقارنتها بما يدور على الأرض السورية والعربية! ثم إياك والاعتقاد أن هذا العلاج بالمجان! حتى المواطن الإسرائيلي لا يعالج مجانا كائنا من كان، وخصوصا بعد خصخصة المستشفيات، فكل مستشفى يطمح بأن يكون لديه أكثر ما يمكن من «الزبائن»، ولهذا إذا تورطت وأرسلك طبيبك إلى المستشفى لفحص ما، قد يحجزونك لثلاثة أيام، لتضخيم حسابك، وإذا دخلت عصرا إلى المستشفى بعد حادث عمل بسيط لا يحررونك، إلا بعد منتصف الليل كي يسجلوا عليك يوما كاملا مع المبيت، وذلك كي يحصلوا على مبلغ أكبر من وزارة الصحة، الناس يدفعون تأمينا صحيا شهريا من رواتبهم، والوزارة تدفع للمستشفيات، أما من لا يدفع تأمينا صحيا فيكلفه العلاج أموالا طائلة، والويل لك إذا لم تدفع فسوف تتورط في الملاحقات القانونية حتى تدفع، فالمستشفيات لا تستقبل السوريين لكسب الحسنات والأجر في اليوم الآخر، ولا لعيون الثورة السورية، فهي تحصل مقابل علاج هؤلاء المرضى على أجرتها من وزارة الأمن، وحكومة إسرائيل ستعرف كيف تحصل على المال مضاعفا مرات ومرات، سيأتي يوم وتقدم الفاتورة لحكومات سوريا المستقبلية، وقد تحصل على المال من مصادر أخرى مثل الأمم المتحدة».
القضية في نهاية المطاف تجارة في السياسة والاقتصاد والإعلام، والذنب في النهاية ليس ذنب المرضى المحتاجين الذين يريدون درء خطر الموت عن أنفسهم، بل ذنب من دفعهم بجرائمه إلى هنا.
أما بالنسبة للتطوع والتبرع فالعرب ليسوا سيئين، ويحبون العطاء، ولدينا عشرات الأعمال التطوعية التي تقوم بها مختلف الجمعيات والأحزاب والحركات والحراكات الشبابية في مدننا وقرانا، العرب يتبرعون والخير فيهم كثير، أذكر حملات التبرعات التي كانت تطلقها فضائيات عربية في الانتفاضة الفلسطينية الثانية، كان الناس في الوطن العربي يتسابقون للتبرع لشعب فلسطين حتى بحصالات الأطفال ومصاغ النساء، أثرياء وفقراء، وللحقيقة هناك مليارات الدولارات التي دخلت من أموال التبرعات ومن الدول المانحة العربية والأجنبية ومن الصناديق الدولية، لو وُظفت كلها بشكل صحيح لجعلت فلسطين ميسورة الحال، رغم كل ممارسات الاحتلال الفاشية، ولكن الفساد يخرب كل شيء، الفساد عدو للإنسان وللعرب ولفلسطين، ولا يقل خطورة عن الصهيونية، وهو عدو أيضا للصهيونية ولا يقل خطورة عليها من أحرار العرب، ولهذا تحاول التخلص أو التخفيف منه، ها هو رئيس الحكومة السابق إيهود أولمرت، يحكم بالسجن الفعلي لثمانية أشهر تضاف لست سنوات سبق وأن حُكم بها لتلقيه رشوة، وقد سبقه وزراء ورجال أعمال وساسة كثيرون، عندنا يدخلون السلطة كضباط صغار فقراء وطنيين، وبعد عقدين يصبحون من أغنياء العالم بعرق جبين شعوبهم المحرومة، ثم يتهمون الناس بالإرهاب إذا ثاروا ضدهم وضد فسادهم، ثم بالخيانة إذا ما لجأوا إلى دولة الاحتلال والعنصرية لإنقاذ أرواحهم من المرض والموت…
-على كل حال الله يصلح حال العرب.. ويفضح ممارسات الصهيونية…
-آمين..
-نعيما..
-الله يِنعم عليك..ويسلم إيديك…

1