أحدث الأخبار
الاثنين 29 نيسان/أبريل 2024
مأساة مارادونا الفلسطيني!!
بقلم : سهيل كيوان  ... 04.06.2015

لا يمكن فصل كرة القدم عن القضية الفلسطينية، وهذا لا يخص فصيلا دون فصيل، أو حقبة دون أخرى، فالشيخ إسماعيل هنية صرّح أكثر من مرة أنه مارس اللعبة في شبابه، وله صور وحركات تشهد على ذلك، ولا يمكن أن ننسى اللاعب المصري أبو تريكة الذي رفع قميصه ليظهر من تحته قميصا آخر يدعو للتضامن مع أهالي قطاع غزة المحاصرين. كذلك نذكّر بأن المنتخب الإيطالي أهدى فوزه بكأس العالم عام 1982 للشعب الفلسطيني، يوم كانت بيروت الغربية محاصرة، وفيها منظمة التحرير الفلسطينية تُقصف بملايين القنابل الصهيونية الأمريكية. كذلك حظي مارادونا بشعبية كبيرة لدى العرب والفلسطينيين وأبناء العالم الثالث عموما، إذ رأوا فيه الشخصية التي حققت لهم انتقاما من غرور الأوروبيين، خصوصا بعد فوزه في كأس العالم عام 1986 في المباراة النهائية ضد ألمانيا. الشاعر محمود درويش كتب مقالة بعنوان»ما..را…دو..نا».
إلى جانب هذا نذكّر بأن جمهور فريق بيتار القدس الصهيوني، لا يحلو له اللعب إلا على إيقاع هتافات «الموت للعرب»، أما عرب 48 فيلوذون بفريق سخنين، الذي يعتبرونه ممثلهم الكروي الشرعي، ولهذا فكل مبارياته أمام بيتار القدس تكون بنكهة انتفاضية وبتدخل شرطوي كبير.
شهدت فلسطين وعيا رياضيا كرويا مبكّرا قبل نكبتها عام 1948، وحاولت الحركة الصهيونية السيطرة على فريق فلسطين لكرة القدم منذ العام 1932، وهناك رواية للكاتب الفلسطيني إياد البرغوثي (من عكا) صدرت عن دار الآداب في بيروت عام 2014 بعنوان»بردقانة»، تضيء على عالم كرة القدم المبكر في فلسطين، وتداخله الحتمي بالسياسة.
في أيار/مايو من العام 2015 للميلاد، دخلت فلسطين المحتلة والمنقسمة والمشلولة ومقطوعة الساقين، إلى أرض الملعب يحدوها الأمل بالفوز ضد المنتخب الصهيوني، كان واضحا للجميع أن الكرة مكعّبة أو سداسية الشكل وليست كروية، وكل محاولات فرض الرياضة على كرتنا المسكينة وتخليصها من السياسة باءت بالفشل، حتى عندما صرح قلب الهجوم سيادة اللواء بأنه لا يريد خلط السياسة بالرياضة.
سيادة اللواء فرض نفسه على قلب الهجوم، وأقنع لاعبي وجمهور منتخبنا الوطني بقدرته على تسجيل هدف في مرمى الصهاينة.
منذ البداية شكك النقاد الرياضيون بقدرته على اللعب تسعين دقيقة والوصول إلى المرمى الصهيوني أو الاقتراب منه، ولكن إصرارَه وتقدمه في الهجوم أحدث إرباكا في خط الدفاع الصهيوني، رغم أن الفريق الفلسطيني معتاد على التخندق أو (التنفّق- من نفق)، وليس الهجوم، الفريق الفلسطيني يلعب بنصف لاعبيه، وأفضل لاعبيه يجلسون خارج الملعب مع بطاقات حمراء، وحارس المرمى مقطوع الأصابع، ولاعب الوسط مفقوء العين الشمال، ولا يرسل الكرات إلا إلى جهة واحدة، والجناح الأيسر بساق واحدة، إلا أن سيادة اللواء استمر بخطته نحو الفوز.
سيادة اللواء يتقدم ويناور، وجهته إلى مرمى الصهاينة، وكما هي العادة في هذه الحالات صار جمهورنا يهتف» يا لِوانا يا حبيب إضرب (فيفا) وتل أبيب». الجميع صار يرى فيه مارادونا فلسطين.
وبدأ الصهاينة يتساءلون، ما العمل وأين يمكن حماية ملايين الصهاينة من حمم مارادونا الفلسطيني! ثم بدأوا يعزفون على وتر الهولوكوست واللاسامية! رغم أن الكتائب الخاصة بتسجيل الأهداف الفلسطينية أكدت وأوضحت أنها لن تقصف تل أبيب أو أي منطقة مأهولة داخل خطوط حزيران/يونيو 67، وأن الأهداف ستسقط فقط على المستوطنات التي يوجد فيها فريق كرة قدم ويلعب في الدوري الصهيوني! إلا أن الصهاينة كانوا على يقظة تامة، فالهجوم قد يبدأ على المستوطنات الخمس، ثم ينتقل إلى المستوطنات الأخرى ومنها إلى نتانيا ثم تل أبيب، وقد ينتقل اللعب من كرة القدم إلى العلوم والاتصالات وغيرها.
انشغلت فلسطين بالمقارنة بين مارادونا الفلسطيني ومارادونا الأرجنتيني ورونالدو وميسي وبنزيمة ورابح ماجر، حتى أن البعض قارنه ببيليه الأسطورة الذي يعاني من ورم حميد في البروستاتا!
كانت الجماهير الأوروبية في الوقت ذاته، تدعو لمقاطعة الفريق الصهيوني، بسبب خشونة لعبه وتكسيره عظام ورؤوس لاعبي وجمهور المنتخب الفلسطيني.
سيادة اللواء لا ييأس ويناور، ويدخل خط الستة عشر مترا، أمام ذهول العالم، هناك من خشوا أنه سيضربها عاليا فوق العارضة بعشرين مترا، وهناك من خشي كرة نحس تصيب العارضة وترتد ضد الفلسطينيين، فهذه ضربات اشتهرنا بها، ولكن سيادة اللواء وصل خط الستة أمتار، حارس المرمى الصهيوني بعيدا على الأرض واللواء لوحده أمام الشباك، ليس عليه سوى لكز الكرة..»يا سلام يا أولاد… الكورة تحلّق فوق المستوطنات الخمس… اللواء يراوغ بدون كورة… أين الكورة…الكورة فين! اللواء نسي الكورة.. اللواء يركض بدون كورة ليه..! الكورة فين.. يا ساتر.. سيادته على الأرض، لازم ضربة جزاء 11 مترا لصالح فلسطين، هناك من دفع اللواء من الخلف… لا لا الحَكم يشير بيديه أن واصلوا اللعب! سيادته يقوم عن الأرض بدون كرة ويعلن: «ليس لديّ قنبلة نووية لأحارب إسرائيل»! الدهشة تصيب الأمم كلها، العالم مصدوم، يا رجل هل نسيت أنها كرة قدم! كان عليك أن تصوّب وتضرب الكرة سواء سجلت أم لم تسجل الهدف، وعلى الصهاينة تقبل النتيجة بروح رياضية.. خسارة كبيرة، كان هذا سيكون هدف الشرف واستعادة ماء الوجه.
أنا لو كنت صهيونيا ذا سلطة كروية لسمحت لسيادته بتسجيل الهدف، كي يعيد للمباراة شيئا من حيويتها، لا يمكن أن تستمر المباراة بدون أي حد أدنى من التوازن وبنتيجة 14 هدفا للصهاينة مقابل هدف واحد لفلسطين، الهدف اليتيم الثاني كان سيعيد الأمل للأمم المقهورة، وسينقذ الكثيرين من اليأس ومن براثن التطرّف.
الصهاينة تعاملوا مع المباراة كما لو كانت ضربة نووية وشيكة على تل أبيب، وشغلوا الفرع الكروي في الموساد فطارت (الفيفا) بحالها، وها هو بلاتير يركب جناحين ويطير، يا سلام يا أولاد.. لدى المنتخب الصهيوني قدرة عجيبة على جمع ملفات خاصة جدا على مدار السنين، تُحفظ سوية مع شيفرة الصواريخ النووية، يشهرونها وقت حاجتها، فيجد لاعبو الخصوم والحكام واللجان الدولية أنفسهم أمام خيارين، إما فتح الملفات السرية الحساسة أو الإنسحاب من أرض الملعب على السكت…من يتابع المنتخب الصهيوني منذ عقود، يعرف أن هذه طريقتهم القذرة في اللعب، والخالية تماما من أي روح رياضية.

1