أحدث الأخبار
الاثنين 29 نيسان/أبريل 2024
داعش ابن عمّي عندنا!…لا مرحبا!!
بقلم : سهيل كيوان ... 11.06.2015

مع بدء الاستعدادات لاستقبال الشهر الفضيل، بدأت تصل النشرات الرمضانية إلى البيوت مباشرة، أو في صندوق البريد، أو توزع على مفترقات الطرق. تمسك النشرة متوقعا أن تقرأ شروط الصيام وحكم الإفطار سهوا والسحور والفُطرة والصدقة وإمساكية رمضان ومواعيد الإفطار وغيرها، ولكنك لا تجد شيئا من هذا، تجد أن معظم المادة المرفقة تحذيرية وحتى تهديدية وتكفيرية فتهتف: داعش ابن عمي عندنا..لا مرحبا لا مرحبا..
تتضمن النشرة تكفيرا لمن يسخرون من الدين. طبعا معظمنا نرفض السخرية من الدين، ولكن السخرية من بعض رجال الدين ليست سخرية من الدين، مثلما السخرية من الاستبداد ليست خيانة وطنية، والسخرية من الاحتلال والتحريض ضده ليست اعتداء على «التعايش السلمي» بين الشعوب.
ثم نجد تحذيرا لمن يعلقون صورا فوتوغرافية للآباء والأجداد أو العرسان وأفراد الأسرة على جدران بيوتهم، ولهذا يجب حرقها أو طمسها. ثم تقلب الصفحة لعل وعسى يتغير الجو القتالي، وإذا به تهديد بتسوية أضرحة الموتى بالأرض، لأن إشهارها فوق سطح الأرض حرام! ثم «حُكم صلاة المرأة بعد أن توضأت ووضعت المكياج على وجهها!» وأخيرا مسك الختام وبعد سبع صفحات من التهديدات تأتي الرحمة «ما هي الصدقة الجارية».
تقول لنفسك..حبيبي يا رمضان الكريم، يا شهر الرحمة والمودة وصلة الرحم والصدقة والتقشف والعبادة والتوبة، رمضان يا حق الجار والتصالح مع الآخر ومع النفس، يا شهر المساكين والمتصدقين، لماذا جعلوك شهر تهديد ووعيد وأحزان!
في رواية (ساق البامبو) للكاتب الكويتي سعود السنعوسي يقول بطل القصة الذي عاش طفولته في الفليبين، إن مثاله للمسلم كان البطل القومي للفليبين، ويدعى أبو سلطان، كان مسلما وتماثيله العملاقة في ميادين مانيلا وغيرها، وذلك لأنه قاوم الاحتلال البرتغالي في القرن السادس عشر لجزيرة من أرض بلاده، قاوم غزاة جاءوا لإرغام أهل الجزيرة على تغيير دينهم، كان هذا نموذجه الجميل للإسلام، ولكن ظهور «أبو سياف» وعنفه، والذي كان ينهب ويقطع الطرق ويخطف الرهائن لمبادلتهم بالمال، هز هذه الصورة الجميلة وشوهها.
عرف التاريخ البشري شعوبا كثيرة دخلت الإسلام بفضل المعاملة الحسنة التي مارسها تجار مسلمون في بلدانهم، وسمعنا عن مئات آلاف الأوروبيين والأمريكيين وغيرهم اعتنقوا الإسلام من خلال قناعات روحية، أو من خلال التعامل اليومي مع مسلمين، ولم أسمع عن أحد منذ قرون دخل الإسلام بالتهديد والوعيد، وإذا دخل أحدهم الإسلام فعلا بالترهيب، فهو في الواقع ليس مسلما، مثلما لن يكون كافرا من يُجبَر على الكفر تحت وطاة التهديد بالقتل، لأن الإيمان بدين أو مبدأ أو الكفر بهما ليس ضمن علم شيخ أو داعية أو ناشط حزبي.
كثيرا ما شاركتْ الجماهير في مظاهرات مؤيدة لهذا الطاغية أو ذاك في البلدان العربية، كذلك في الدول الاشتراكية السابقة، كان الملايين يشاركون فيها، في مناسبات الاستقلال أو ذكرى تسلم الحزب الأوحد للسلطة، يرفعون خلالها الشعارات وصور قادة الدولة والحزب خوفا من عقوبات النظام، ولكن في لحظة الحقيقة، تبين أن هذه الملايين كانت غثاء، بل كانت معادية وحاقدة وكارهة للأنظمة القمعية، فالإنسان بسجيته يحب الحرية، وينفر من إرغامه على أي شيء، حتى ولو كان أكلة طيبة تريدها لابنك، أو هواية كالموسيقى مثلا، لا تستطيع أن ترغم ابنك على ممارستها، وقد تنفّره منها إلى الأبد إذا ما ضغطت عليه ليمارسها من دون قناعته.
بلا شك أن احترام الديانات والعقائد واجب أخلاقي، والمثل الشعبي البسيط يقول» كل من على دينه الله يعينه». ولكن رجال الدين ليسوا فوق النقد، وتقديس فتاويهم وأحكامهم واعتبار انتقادهم سخرية من الدين هو أمر خطير، مثلما اعتبر البعض أن النظام والزعيم الديكتاتور هو الوطن، والسخرية منه مس بالأمة واعتداء على التاريخ، أما تحطيم تمثاله فهو خيانة توجب الإعدام، مثلما اعتبر البعض أن الاعتراض على الانقلاب خيانة وتآمر على الوحدة الوطنية.
في إحدى بلداتنا داخل الخط الأخضر احتجّ بعض رجال الدين على نصب تمثال من الألمينيوم لصلاح الدين الأيوبي يمتطي حصانا، نصبته إحدى الجمعيات على دوار البلدة، حوّلوا الأمر إلى جدل كبير، وخُطب ونشرات وهدّدوا بهدمه، حتى تم التوصل إلى حل وسط، وذلك ببقر بطن الحصان وتشويهه، وتشويه (صلاح الدين) كي لا يكون محاكاة لخلق الله، وكأن تركه بدون فتحة في بطنه سيحرف الناس عن إيمانهم ويطلعهم عن دينهم.
وبالموازاة لهذا، تحارب سلطات الاحتلال فنونا تعتبرها مسا بالدولة وأمنها، كما حصل ضد مسرح (الميدان) في حيفا، فبلدية حيفا أعلنت أنها ستقطع الميزانيات عن هذا المسرح العربي لأنه برأي القائمين في بلدية حيفا يقدم عروضا تسيء «للتعايش بين الشعبين»، وذلك بسبب مسرحية تحكي قصة معاناة سجين أمني فلسطيني (مسرحية الزمن الموازي)، وكذلك تقود وزيرة الثقافة المتطرفة (ميري ريغف) حملة تحريض على الفنان العربي (نورمان عيسى) من يافا، لرفضه التمثيل على مسرح في مستوطنة في الأراضي المحتلة عام 1967 في غور الأردن بحجة مسّه بالتعايش، وهذا يعني أن أي نقد للاحتلال وممارساته هو مس بـ»التعايش المقدس»، والتعايش لدى السلطات يعني التسليم بالعنصرية والاحتلال.
كل هذا وتغاضت معالي وزيرة «الثقافة» ولم تتعرض لنائب رئيس الكنيست (أورن حازان) من حزبها، الذي كشفت القناة الثانية أنه عمل بالدعارة وتعاطى المخدارت في هنغاريا حتى قبيل انتخابه للكنيست.
المحرّمات على يمينك وعلى شمالك، من أبناء جلدتك باسم الدين تارة، ومن مستبدين باسم الوطن ووحدته وقدسيته، ومن محتلين غاصبين باسم «التعايش السلمي»، طبعا مع الفروقات بين الأسباب والمسببات في كل هذه الحالات، ليس أمام شعوبنا سوى مواصلة ما كتب عليها، وهو الكفاح لنيل نور الحرية، بكل وجوهها الجميلة، ورمضان كريم، شهر تسامح وصبر وكفاح وحرية.

1