أحدث الأخبار
الأربعاء 24 نيسان/أبريل 2024
الريف: مظاهر ثقافية متوارثة وعطاءات أدبية ونقدية تجاوزت البعد المحلي!!
بقلم : الديار ... 13.08.2017

الرباط : يلاحظ الباحث المغربي الدكتور جواد الشقوري أن أبرز سمة تتميز بها الشخصية الثقافية الريفية، هي التحلي بثقافة التآزر وثقافة التضامن، وقد ساعدت مجموعة من العوامل على ترسيخ هذه الثقافة، من بينها الطابع القبلي لمنطقة الريف، وهو طابع تشترك فيه مع دوائر بشرية أخرى. بالإضافة إلى وعورة مناطقها وشح اقتصادها إلى حد ما، بحيث كان لزاما على أهل الريف أن يوجدوا نوعا من التعاون بين القرى والأسر والقبائل، سواء في ما يتعلق باكتساب الرزق أو في ما يتعلق بمقاومة العدوان الخارجي الطامع في موارد المنطقة.
وفي دراسة تضمنت رصدا لعدد من المظاهر الثقافية الموجودة في منطقة الريف، تطرق الباحث إلى ما كان يسمى «إمغارن» وهو عبارة عن مجلس شورى يجمع القبائل، وتتمثل مهمته الأساسية في التخطيط والتفكير وفي اتخاذ القرارات التي تشكل إثنية (عرقية) مشتركة، أو تشترك في ثقافة أو لغة أو هموم معينة، فتكون هذه القبائل مضطرة للتعاون اقتصاديا لحماية نفسها، وهذا موجود عبر التاريخ وما زال مستمرا، ولو أن كلمة «إمغارن» لم يعد لها وجود حاليا، نظرا للتطور المدني الذي شهدته المنطقة، ما همش الاتجاه القبلي. وكانت مهمة المجلس التخطيط والتفكير في تحويل الآراء والمخططات إلى برامج عمل، وترسيخ فكرة العمل الجماعي والتآزر والتعاون.
من بين أوجه هذا التعاون أيضا ما كان يسمى في اللغة الأمازيغية «تويزا» وهو نوع من العمل المشترك يقوم به كل أفراد القرية نساء ورجالا أو كل أفراد القبيلة تقريبا إذا تطلب الأمر ذلك، من أجل مساعدة شخص ما أو الوقوف معه. وقد يتم هذا الأمر بشكل دائري، ويكون متداولا بين جميع الناس، لأنهم أدركوا أنه من دون التعاون في الميدان لا يمكن لأي إنسان أن ينجز عمله في الوقت المناسب. فـ«تويزا» تعني القيام بعمل مشترك إما في الزراعة أو في البناء أو في حفر الآبار أو في شق الطرق أو في بناء المساجد… كل هذا يتم بشكل جماعي.
و»تويزا» لها امتداد آخر، وهو ذاك المتعلق بالمجالس القروية التي تعرف في كتب التاريخ بـ«آيت عشرة» و«آيت أربعين» أي مجالس تتكون من عشرة أو أربعين شخصا تصدر عن مجلس «إمغارن» أو «تجمعت» (أي الجماعة).
ويذكر الباحث جواد الشقوري أن الريف المطل على البحر الأبيض المتوسط، تربطه علاقة ثقافية مع محيطه المتوسطي، فهناك مظاهر رياضية واحتفالية ومسرحية وموسمية لها علاقة بمجموعة من التقاليد الثقافية المنتشرة على البحر المتوسط. فالاحتفال ـ مثلا ـ بـ«العنصرة» التي قيل إنها من بقايا ثقافات متوسطية لها علاقة بالنار، أو كما قيل أيضا إنها عادة موروثة من العهد المسيحي، هذه العادة هي نوع من التظاهرة والفرجة، كانت تقام بعد موسم الحصاد وجمع المحصول، وهناك الكثير من العادات الثقافية والفنية التي كانت منتشرة بكثرة في منطقة الريف، وهذا يدل على أن المجتمع كان مصدر إنتاج الأشكال والتعبيرات التي يعبّر من خلالها على فرحه أو قرحه.
وقد شكلت منطقة الريف ـ عبر التاريخ ـ مراكز ثقافية خلفية لجامعة القرويين العتيقة في فاس، فأهم المراكز العلمية التي كانت تهيئ الطلبة لولوج جامعة القرويين تكون في هذه المنطقة التي تسمى «منطقة جبالة». فمدينة تطوان ومدينة شفشاون وما جاورهما من قبائل «غمارة» و«بني زروال» وقبائل «الخمس» وقبيلة «بني عمارت» الناطقة بالريفية، هذه المناطق كلها معروفة بمراكزها الثقافية، بل وبحصونها الثقافية، حيث تكوّن آلاف الطلبة، وقد فضل بعضهم أن يعمل فقيها في المساجد الصغيرة، وبعضهم الآخر فضل متابعة دراسته.
ولم تبخل هذه المنطقة في إنجاب العلماء، وقد يطول المقام هنا لتفصيل الحديث عنهم، ونشير فقط إلى أن من أشهر علماء المرحلة المرينية يمكن أن نذكر ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ العالم أبو عمر علي بن عمر الورياغلي، الشهير بـ«العثماني» أحيانا، و«ابن الزهراء» أحيانا أخرى، وله شرح لموطأ مالك بن أنس في واحد وخمسين سفرا. ويشير المؤرخ المغربي عبد الرحمن بن زيدان إلى أن درجة علمه لا تقل عن درجة ابن عبد البر الأندلسي، في هذا المجال.
ويشهد تاريخ الأندلس الإسلامية أن عددا كبيرا من القضاة والعلماء «النفزاويين» ـ أي المنتسبين إلى منطقة «نفزة» الريفية ـ كان لهم دور قوي في الدول المتعاقبة على الأندلس.
أما إذا عدنا إلى العصر الحديث، فيكفي أن نذكر أن الذي قاد الحرب الوطنية التحريرية الأولى، محمد بن عبد الكريم الخطابي، كان قاضيا من قضاة «بني ورياغل» إلى جانب آخرين من أمثال الفقيه «بولحية» و«قاضي الشمس». ومن المعروف أن قبيلة «بني توزين»، وهي التي توجد شرق قبيلة «بني ورياغل» مباشرة على الضفة الأخرى لنهر النكور، توصف في الريف بـ«القبيلة العلمية»، فأهلها منذ قديم الزمان يمتازون بانتسابهم إلى العلم وإلى مختلف الصنائع العلمية. وكذلك أيضا قبيلة «بني سعيد» تعرف بـ«القضاة».
وفي وقتنا الحالي، يلاحظ أن الجامعات المغربية يوجد فيها أساتذة باحثون كبار من منطقة الريف. كما أن هذه المنطقة أنجبت العديد من الكتاب البارزين، من بينهم على سبيل المثال لا الحصر الأديب العالمي محمد شكري والروائيين كمال الخمليشي وعبد الحكيم معيوة وسمية البوغافرية والنقاد محمد أقضاض وعبد الله شريق وجميل حمداوي والأديب والباحث بشير القمري والقصاصين أحمد بن شريف والخضر الورياشي وفاطمة بوزيان وميمون حرش والشعراء عبد الكريم الطبال ومحمد الميموني وأحمد بنميمون وجمال أزراغيد والحسين القمري والإعلامي والكاتب عبد الصمد بن شريف والأديبة فوزية القادري… وغيرهم.

1