logo
1 2 3 41122
مدينة الألف قبة وقبة كنز دفين في قلب الصحراء الجزائرية !!
28.03.2015

مدينة وادي سوف الجزائرية جعلت من شارعها الرئيسي وقبابها التي تزين بناياتها عناوين تختزل تاريخا ضاربا في الأعماق في مهرجانها السنوي.
صابر بليدي ..عاشت مدينة وادي سوف (650 كلم جنوبي العاصمة الجزائرية) على مدار خمسة أيام أجواء كسرت هدوء الصحراء وحولت شوارعها وأزقتها الضيقة إلى فضاءات لاستعراض مختلف الأنشطة الفنية والفلكلورية وجعلت من شارعها الرئيسي وقبابها التي تزين بناياتها، عناوين تختزل تاريخا ضاربا في الأعماق، ومعرضا لما أبدعته الأيدي الصحراوية على مر العصور.أنهت مدينة “الألف قبة وقبة” منذ أيام فعاليات مهرجانها السنوي في نسخته الـ42، على أمل ترسيخه، كموعد تبرز من خلاله جمال هذه المدينة الصحراوية، واستقطاب المزيد من المهتمين والأضواء حول ما تزخر به وادي سوف من عادات وتقاليد وموروث ثقافي وتراث محلي يؤهلها لأن تكون وجهة سياحية وثقافية وتراثية وعنوانا بارزا لجنوب الجزائر، إذا توفر لها الاهتمام والإمكانيات اللازمة لتحقيق مدينة مميزة في عمق الصحراء الجزائرية.وانضمت إلى حفل افتتاح المهرجان السنوي للمدينة والذي أقيم على مدار خمسة أيام (21-26 مارس)، فرق للاستعراض والرقص الشعبي من تونس وفلسطين، أبرزت في أدائها الفلكلوري البعد التاريخي والتراثي المشترك بين شعوب المنطقة وترجمت عمق التقارب الثقافي بينها، وأضفت عليه العروض والدبكة الفلسطينية لمسة مشرقية، تلاحمت فيها إبداعات جناحي الوطن الكبير، خاصة بعد امتزاجها بعروض الفرق الفلكلورية المحلية والفرقة النحاسية للحماية المدنية (الدفاع المدني).واحتضنت أروقة وأجنحة دار الثقافة محمد الأمين العمودي معرضا للفنون التشكيلية جسدت لوحاته المعروضة التراث الفلكلوري الشعبي لمنطقتي وادي سوف ووادي ريغ في إيحاءات أبرزت ثلاثية ظلت لصيقة بفن الفلكلور المحلي “الزرنة والبندير والبارود”، بالإضافة إلى معرض للصور القديمة للمدينة الذي جسد النمط العمراني المعتمد على القباب المنجزة بالجبس المحلي وسط الكثبان الرملية، ومسيرة النضال المسلح لمجاهدي وشهداء المنطقة إبان الثورة التحريرية.
وأعطيت في اليوم الأول للتظاهرة إشارة انطلاق معرض الصناعات التقليدية والحرف، الذي تضمنت أجنحته أدوات تقليدية ترمز إلى التراث الشعبي الضارب في عمق التاريخ أبرزها نماذج من الألبسة التقليدية الخاصة بمنطقة “سوف”. كما تضمن المعرض جناحا لعرض الأدوات التقليدية القديمة التي كانت مستعملة في عمليتي الحرث والسقي للمزروعات، إلى جانب الآليات التي كانت تستخدم في عملية نسج الزرابي.وفي نفس السياق أقيم معرض آخر للزراعات المحلية والتمور ضم جناحين، الأول ضم مختلف أنواع الخضر والفواكه الموسمية التي تنتجها المستثمرات الفلاحية بالولاية والثاني مختلف أنواع التمور المنتجة محليا، إلى جانب معرض آخر بالحديقة النباتية بوسط المدينة للمتعاملين الثلاثة للهاتف النقال المعتمدين بالجزائر، بالإضافة إلى فعاليات العرس التقليدي في تمثيلية تجسد طريقة الزواج بمنطقة “سوف” في فترات تاريخية سابقة، ولعبة القوس التقليدية.وعلى مدار الأيام الخمسة للمهرجان السنوي تم الإعلان عن تسع مسابقات تتعلق بسباق الجمال وأخري للخيول، بالإضافة إلى مسابقة أحسن أكلة شعبية وصنع حلويات وأحسن توأم ومنافسات رياضية بالدراجات الهوائية والعدو على الطريق والسباحة وكمال الأجسام.
كما نشطت في هذه التظاهرة كل من جمعية “الجماعة السوفية” و”الرابطة الولائية للفكر والإبداع بدار الثقافة” وندوة علمية بعنوان “الاحتفالات الفلكلورية مكاسب ثقافية”، تخللتها قراءات شعرية وأدبية لعدد من الأسماء المبدعة في المنطقة.ولم تغب عن أجواء المهرجان احتفاليات اللعبة الأكثر شعبية، حيث تبارى فريق قدماء أولمبي الوادي وقدماء فريق الجريد بولاية توزر بتونس، بالموازاة مع عروض للرقص الشعبي والسهرات الفنية التي أحياها فنانون من المدينة وتونس وفلسطين.ويقول مختصون إنه “منذ عشرات آلاف السنين، كانت منطقة وادي سوف تنتمي جيولوجيا إلى الكتلة القديمة البلورية التي تكونت أثناء العصور الأولى من تاريخ الأرض الجيولوجي، والتي تتألف من الغرانيت والنيس والميكاشيست والكوارتزيت، وبعد تعرض سلاسلها الجبلية للتعرية اجتاحتها مياه البحار القديمة، فكادت تغمر كامل الرقعة الصحراوية الحالية، ولكن انحسرت المياه أثناء العصر الفحمي. وأثناء عصر الأيوسين (بدء الحياة الحديثة) خلال الزمن الجيولوجي الثالث تعرضت الصحراء لعوامل التعرية الجوية التي أثرت على تضاريسها فطبعتها بطابعها المميز الحالي”.ويقول العلامة ابن خلدون “كان الناس يستظلون في ظل الأشجار عند تنقلاتهم من طرابلس إلى الزيبان، ولعل حرق الكاهنة وهي قائدة بربرية لتلك المناطق إبان الفتح الإسلامي يشير إلى ذلك”.ولعل ما يشهد برأي المختصين على العصر الحجري في سوف “وجود الصوان المسنون والأدوات المختلفة الأنواع والأحجام كرؤوس السهام المصنوعة بدقة ومن مختلف العصور”.
ويقول مؤرخون إن إقليم السوف (محافظة وادي سوف حاليا) كان في ما قبل التاريخ غنيا بالحيوانات والنباتات، كما أنه عرف حضارات متعددة منذ العصر الحجري، ولقد عرجت العديد من الرحلات والهجرات الإنسانية عبر السوف، الذي كان مقرا للقبائل البربرية الزناتية لمدة طويلة، ثم استعملته جيوش الرومان للعبور نحو الشمال، أما أول القبائل العربية فقد وصلت إلى السوف في القرن السابع تقريبا، وكان السكان الأصليون لهذا الإقليم يعيشون في الخيام ويمارسون تربية المواشي والتجارة، ولكن زراعة النخيل جعلتهم يستقرون في بيوت من الجبس.
وتعد مدينة الوادي الواقعة على الحدود مع تونس وليبيا، من أجمل مدن الصحراء الجزائرية في الظرف الراهن بفضل طابعها المعماري الجذاب، حيث ترتفع القباب على كل بنايات المدينة بطابعها الفردي والعمومي والشعبي والرسمي، وهي صومعات تصنع من الجبس المحلي وتدخل في أبجديات المعمار المحلي لتحمي ساكنيها من قيظ الصيف وقرّ الشتاء، فهي تؤدي دور المكيفات الهوائية بمنطق الحياة الحديثة.
ويعتبر مسجد وسط المدينة والسوق الأسبوعية القلب النابض للمدينة، حيث يتدافع جمهور من المتنزهين والباعة والمشترين يغمرهم عبير التوابل وتكتنفهم القيم الأصيلة ذات الدلالة الرمزية العريقة. وتختزل الرسوم الجدارية الأربعة في مدخل المدينة لزوار وضيوف المدينة تاريخ وادي سوف منذ العصر الحجري الأخير إلى غاية حرب التحرير الوطني الأخيرة. كما يشكل متحفها المتواضع رواية تحكي قصة الإنسان السوفي وتستعرض مسيرته عبر القرون.


www.deyaralnagab.com