logo
1 2 3 41121
لبنان : جزين عروس الشلال تحتضن أكبر غابة لأشجار الصنوبر في الشرق الأوسط!!
24.06.2018

كتبت ناديا الياس ..لوحة طبيعية منحوتة في الصخر والجبال تتّكئ على منكَب جبل نيحا وتغزل من قرميد منازلها القديمة وقناطرها تاريخاً عريقاً يتردّد صداه في جنبات السنين. انها مدينة جزين، أيقونة الجنوب اللبناني وعروس الشلال التي تسحرك بمعالمها الطبيعية والأثرية والتراثية وبصناعتها اليدوية الشهيرة وأبرزها السكاكين الجزينيّة والخناجر التقليدية التي باتت أرفع هديّة رمزية لبنانية تقّدم للأمراء والملوك ورؤساء الدول.
وتعدّ جزين التي تحتضن أكبر حقل لأشجار الصنوبر في منطقة الشرق الأوسط وتشكّل أكبر غابات هذه الشجرة الجميلة في العالم، مركز اصطياف وسياحة صيفاً وشتاءً، إذ تستقبل زوّارها الذين يقصدونها من سائر الأنحاء للتمّتع بسحرها الذي يحاكي هيبة الزمن ولقضاء رحلة هادئة في فنادقها الضخمة وتسّلق مرتفعاتها الشاهقة وزيارة محمّية أشجار الأرز للاستفادة من هوائها النظيف المنعش والتمتعّ برؤية سهل البقاع وبحيرة القرعون.
نجحت جزين بفضل آثارها ومعالمها الطبيعية أن تشّد السيّاح العرب حتى قبل عام 1948 من فلسطين ومصر والشام، وها هي اليوم تستعيد إحياء النشاط السياحي لتظّل قبلة أنظار السياح العرب والأجانب وأبناء البلد عبر مهرجان التراث الذي بات تقليداً سنوياً وهو يجمع معارض بيئية وثقافية وحرفية ومؤونة جزينية وحديقة للرسامين يشارك فيها نخبة ممتازة من الفنانين اللبنانيين والعرب، فضلاً عن السهرات الغنائيّة الفولكلورية التي حقّقت نجاحات لافتة وحوّلت المدينة إلى كرنفال للفرح جذبت العديد من السياح العرب والأجانب.
معالم أثرية وتاريخج
منذ القرن الخامس عشر ق.م بدأ التاريخ يحكي عن جزين التي ورد ذكرها في رحلات الادريسي ولوكاس، والليدي ستانهوب والأبوين غودار والأب لامنس اليسوعي. ويشتقّ اسمها من الجذر الفينيقي والذي يعني حسب اللغات السامية الكنز أو الخزنة، نظراً لغناها بالمعادن ولوجود معبد قديم كان يتضّمن في بنيانه قاعة مخصّصة لحفظ النذور والتقادم التي كان يقربّها المؤمنون للآلهة عرفاناً بجميلهم عن شفاء قد تمّ أو نذر قد تحقّق، فتكدّست هذه مع مرور الزمن لتصبح كنزاً كبيراً أسبغ اسمه من باب تسمية الكلّ بالجزء على هذه البلدة التي تمتد على مساحة 2421 هكتاراً وتحيطها غابات الصنوبر وترتفع 950 متراً عن سطح البحر وتبعد عن العاصمة بيروت 73 كلم و40 كلم عن صيدا.
ووفقاً للمؤّرخين، فإنّ جزين كانت بمثابة منطقة تخزين للتجّار بسبب موقعها الاستراتيجي على طريق القوافل التي تربط ميناء صيدا إلى الشوف ووادي البقاع ثم إلى سوريا، وهذا ما شهدت عليه الاكتشافات التي وجدت من التماثيل والمخابئ والنواويس وما تركه فيها الفينيقيون من الأسلحة والأدوات البدائية. ويعزّز هذا الاعتقاد أيضا أن أسماء بعض الأماكن والمواقع فيها ذات جذور كنعانية وآرامية. وفي العهدين اليوناني والروماني كانت جزين مأهولة وشكلت باكراً حالة حضارية متقدّمة، فأضحت مصيفاً لفراعنة مصر منذ عهد كليوباترا الرابعة.
وحرصاً منها على تدعيم اقتصادها، عمدت جزين على مرّ العصور على تنشيط السياحة فيها والتي كانت موردها الأساسي منذ ما قبل الحرب عبر إبراز واستثمار معالمها الطبيعية الساحرة المنحوتة في الصخر والجبال والمغاور الرائعة والمطاحن القديمة التراثية والشلالات الطبيعية التي تميّزها وتلّطف أجواءها وتضاريسها الخضراء فأنشأت المسابح الجميلة والفنادق الضخمة التي يطّل بعضها على الوادي والشلال ويزيده على منحدراتها شلالات فاتنة وأهمها فندق بركة أنان المعروف بنادر بالاس، والذي لا يبعد عن مدينة صيدا أكثر من عشرين كيلومتراً وصولا إلى فنادق دير مشموشة على أجمل تلة من تلالها وأرز الصنوبر على مدخل مدينة جزين الغربي ورزق بلازا داخل المدينة. ناهيك عن مشروع شاليهات كروم الأرز الذي بني على ارتفاع 1150 متراً عن سطح البحر على أجمل تلة مشرفة على مدينة جزين وحرج صنوبر بكاسين وعلى منطقة الشوف الخضراء.
ومنذ عشرات السنين اشتهرت جزين بفنادقها القديمة التي كانت تحمل الأسماء التالية «فندق فلسطين» و»فندق الأهرام» و»فندق مصر» للدلالة على أهميّة السياحة التاريخّية التي كانت تربط جزين بالعرب قديماً. ومن أبرز معالمها العمرانية الأثرية التي هي عنصر جذب للوافدين إليها سيدة المعبور والجسور والسوق القديم والمدافن المرمغينة الفينيقية وتعني بالسريانية مرمى الأغنياء، أيّ محل دفنهم وهي موجودة في محلة كروم الجبل في جزين وأخرى في محلة النبع عزيبة وجسر الخلاص، أما مغارة فخر الدين المعنى الثاني الكبير التي ارتبط اسمها بالأمير الذي لجأ إليها هرباً من القوات العثمانية فهي تقع في الشير الصخري على بعد 500 م شمال شلال جزين وهي عبارة عن نفق يدخله الإنسان زحفاً وله باب واسع مستدير وفسحة المغارة 30 ×20 مترا.
وفي منتصف البلدة يعلو «قصر البلدية» الذي بني عام 1898 على الطراز العثماني خلال فترة حكم السلطان عبد الحميد.
إلى ذلك، لا يمكن للسائح أن يزور جزين من دون زيارة مطاعمها الشهيرة المزروعة على كتف الجبل والمشرفة على شلالاتها لتذوّق ألذّ وأشهى المأكولات وهي تعجّ بالزائرين ليل نهار وتزدحم الطرقات بهم وهم يلتقطون الصور التذكارية قرب وداخل حقول الصنوبر.
ارتبطت شهرة جزين بغنى تربتها التي تختزن ثروة طبيعية من المعادن ومنها الحديد والفحم الحجري والحمر وقد تضّمنت مناجم جزين حيطورة، على بعض العنبر الذي هو أصفر كالشمس لامع ومكسره زجاجي ويتوالد من صمغ الصنوبر والسرو ومثيلهما وهو يعتبر أقدم عنبر في العالم وأكثره نقاء وشفافية ويعود تاريخ تكوينه إلى أكثر من 130 مليون سنة. كما لا يمكننا ان نغفل ثروتها الصخرية التي تتمثّل في إنتاج صناعة الصخر الجزيني.
وعرفت جزين أيضاً بصناعة السكاكين والخناجر والسيوف وهي حرفة لبنانية نادرة ذات جمال وشهرة عالمية وتخطّت صناعة الشوك والملاعق والسكاكين الفضية ذات المقبض العاجي التي تمثّل الفنّ الحرفي اللبناني الأصيل حدود لبنان وباتت أثمن هدية رمزية لبنانية وهي تضاهي بأهميتها هدايا كريستوفل في باريس وغاليري كريستيز في لندن، وافيد انّ الرئيس الفرنسي الراحل شارل ديغول كان متيّماً بهذا النوع من الهدايا التي حصل على مجموعة منها من قبل الرئيس اللبناني الراحل فؤاد شهاب.
شعراء وفنانون
وأعطت جزين رجالات دنيا ودين وشعراء وفنانين زمن أبرزهم البطريرك بولس المعوشي الذي عيّن أول كاردينال ماروني من قبل البابا بولس السادس سنة 1965 وأمين فارس رزق الملّقب بشاعر الشلال، وساروفيم بارتي أوّل صيدلي لبناني أنشأ مختبراً لصنع الأدوية والبروفسور فريد سرحال مؤّسس مستشفى سرحال في بيروت سنة 1952 عالج الفقراء دون مقابل وكان نائباً عن جزين 1972 شّيد قصره في جزين 1967 وهو يعدّ تحفة فنية نادرة، والنجم اللبناني فارس كرم الذي اكتسب شهرة في لبنان والعالم العربي بفضل أغانيه الحماسية!!


www.deyaralnagab.com