logo
1 2 3 41120
نواعير حماة تعود إلى الدوران لتنعش صدور السوريين !!
16.04.2019

تعدّ النواعير من أبرز المعالم التاريخية والأثرية التي تميّزت بها مدينة حماة حيث شكّلت في القديم، عصب الحياة لهذه المدينة فقد أوكلت إليها مهمة ريّ البساتين والبيوت، وبعد أن توقفت على أداء مهامها بفعل التقدّم العلمي تحولت إلى مزار سياحي يأتيها الزوّار من المحافظات والسياح من العرب والأجانب فتثير إعجابهم وتشغل كاميراتهم، لكن بعد الحرب لا أحد زارها، لذلك يحاول مجلس المدينة اليوم إعادة ترميم هذه النواعير على أمل أن تجمع السياح بعد أن عاد إليها السوريون خاصة في فصل الربيع.
حماة (سوريا)- أنهى مجلس مدينة حماة أعمال تأهيل وترميم ناعورة الدهشة في المدينة ضمن خطته لإنجاز صيانة للنواعير المُقامة على مجرى نهر العاصي، والتي تعدّ من أبرز المعالم التاريخية والأثرية التي تميزت بها المدينة.
وللنواعير مهام ووظائف متنوعة في القديم، فهي تؤمن المياه وتستعمل لريّ الحقول والبساتين والمرافق المختلفة، وقد استفاد الناس من قوتها المحركة في إدارة المطاحن، ويطلق عليها عبارة (خدام ببلاش)، كونها لا تحتاج، كي تعمل، سوى إلى الرياح فهي لا تتعب ولا تملّ من خدمة الإنسان، ليلا ونهارا، وفي كل الفصول.
والنواعير، هي عجلات خشبية ضخمة تم تصميمها لرفع المياه من نهر العاصي ونقلها من خلال القنوات إلى الحقول الزراعية والمنازل، وتختلف أحجامها، وتحمل أسماء متعددة تتعلق بالأمكنة التي تقع فيها، ولعل أشهرها الناعورة المحمدية، وهي الأخت الكبرى لنواعير والمأمورية والبشرية والجسرية والمؤيدية والعثمانية والكيلانية والجعبرية والخضورة والدهشة أو النخيلة والمقصف، والتي كان عددها في بداية القرن العشرين 105 نواعير، منها 25 ناعورة داخل مدينة حماة ويعمل منها 17 فقط.
وتدور الناعورة بسبب تيار النهر المتدفّق، وتغطس فيه وصناديقها منقلبة فارغة في النهر ثم ترتفع ممتلئة بمياه النهر وتصب الماء في القنوات المائية، ثم تقود الجاذبية الماء على طول القنوات إلى وجهته في أجزاء المدينة المختلفة.
دواليب موغلة في القدم
يعود تاريخ النواعير إلى عهد الآراميين، وتبيّن الآثار السورية منحوتات ولوحات أثرية تحمل صور النواعير، مثل لوحة الفسيفساء، التي اكتشفت في شارع الأعمدة بمدينة أفاميا الأثرية على بعد 55 كيلومترا شمال مدينة حماة، ويرجع تاريخ اللوحة إلى عام 420 ميلادي.
وقال المؤرخ السوري فيصل شيخاني، إن الإنسان القديم اعتمد في سقايته للأراضي التي يتعذر عمل السدود فيها على الحيوان أو الإنسان برفع المياه إلى أعلى بواسطة تقنية بسيطة، كما في الشادوف المستعمل على شواطئ نهر النيل في الريف المصري، لكن النقلة النوعية كانت عند اختراع الناعورة، حيث استفاد الإنسان من نقل المياه إلى الأراضي المرتفعة دون جهد عضلي واستفاد من جريان المياه لإدارة الناعورة، وربط بها الأوعية التي تمتلئ بالمياه في أسفل الناعورة التي تدور وتنقل المياه إلى المجرى الأعلى الذي يستند إلى أقواس مبنية بطريقة العقد القوسي الذي يعلو العشرات من الأذرع فتصل المياه إلى الأمكنة التي تحتاج إليها بتقنية وصل إليها الإنسان العربي في بلاد الشام مبكرا. وبعد أن كانت النواعير الوسيلة الأولى للحصول على الطاقة الميكانيكيّة المتفوّقة على طاقة الجهد العضلي للإنسان أو الحيوان، أثّر التقدم العلمي، واختراع مضخات المياه التي تعمل بالطاقة الكهربائيّة، أو مشتقات النفط، على النواعير، فغاب العديد منها، ويناضل ما تبقى من أجل البقاء.
منظرها على حوافي نهر العاصي، والمياه النازلة في صوت صار مألوفا، والإضاءة المتقنة لها ليلا، حوّلها إلى مظهر جمالي أخّاذ، الأمر الذي جعلها معلما سياحيا تنتشر حولها المطاعم والمنتزهات، وتُشكّل اليوم، الدافع الأساس للسوريين في باقي المحافظات والزائرين العرب والأجانب، لزيارة هذه المدينة التي تحاول السلطات العمل على ترميم ما تبقى من هذه النواعير والحفاظ عليها.
وقال رئيس مجلس المدينة عدنان الطيار لوكالة الأنباء السورية (سانا)، إن أعمال تأهيل ناعورة الدهشة وهي أصغر ناعورة وقطرها 7 أمتار شملت القسمين الحجري والخشبي للحفاظ عليها كرمز تراثي وسياحي للمدينة، لافتا إلى أن أصنافا متنوعة من الخشب دخلت في تصنيع وتأهيل الناعورة مثل السنديان والجوز والصنوبر والكينا.
توقفت نواعير حماة عن العمل، في أبريل 2015، بسبب عدم إطلاق المياه في نهر العاصي، ما أدى إلى انتشار الروائح الكريهة والحشرات ومعاناة كبيرة لأهالي المدينة.
وقال مرهف ارحيم مدير سياحة حماة، إن عودة جريان مياه العاصي وتشغيل النواعير أعطت المدينة سحرا مميزا، ولاسيما خلال فصل الربيع الذي يبحث فيه سكان المدينة عن متنفس في الطبيعة وهو ما يجدونه على ضفاف العاصي.
وأضاف، إطلاق مياه العاصي ودوران النواعير من شأنه استقطاب السياح والزوّار للمدينة التي يؤمها في مثل هذه الفترة من السنة ضيوف وزوّار من مختلف المحافظات، ولاسيما بعدة عودة مهرجان ربيع حماة الذي عاد السنة الماضية بعد توقفه جراء الظروف والأوضاع خلال السنوات السبع الماضية.
وتعكف ورشات مديرية الحدائق والنواعير في مجلس حماة على العمل دوريا على صيانة وترميم وإعادة تأهيل النواعير، بسبب تعرّض أخشابها للاهتراء نتيجة توقفها عن العمل والدوران خلال فصل الشتاء، وعدم جريان نهر العاصي بشكل كامل.
وقال مدير الحدائق والنواعير محمد المبيض، إن الفنيين والعاملين الذين يقومون بتصنيع النواعير وترميمها، جميعهم من أبناء المدينة وهم أصحاب خبرة واسعة في هذا المجال، مؤكدا أنه لا توجد ورشة لتصنيع النواعير في العالم سوى في حماة.
وأنجز مجلس مدينة حماة خلال العام الماضي ترميم ناعورتي العثمانية والمأمورية، وشمل ترميم ناعورة العثمانية القسمين الحجري والخشبي، وتتألف النواعير الكبيرة منها والصغيرة من محور أفقي تتصل به أنصاف أقطار تشكل دائرة يوجد على محيطها أوعية أو دوارق، وهي غالبا من الخشب وتتراوح أقطارها بين ثلاثة أمتار إلى العشرات من الأمتار وتصدر النواعير أصواتا تسمع من مسافة كبيرة ويسمى صوتها “النعير”. وكان صوت هذه النواعير يُسمع على مسافات بعيدة داخل المدينة وباستمرار، حتى اعتاد السكان على هذه النغمات وأصبحت ملازمة للشجون والذكرى.
وقال الشيخاني، إن النواعير تصنع في الغالب من أخشاب الجوز التي تدخل في صناعة قلبها، أما وشاحاتها فهي من أخشاب الحور الذي يعطي طولا ومرونة وليونة تتطلبها الناعورة، مشيرا إلى أن أخشاب الصنوبر والتوت والكينا يمكن أن تستعمل في صنع وشاحها أيضا، أما المسامير فيتم صنعها من الحديد بشكل يدوي في حماة ويترواح طولها بين 40 إلى 60 سنتميترا.
ومع العثمانية، أعيد تشغيل ناعورة المأمورية، وذلك بعد إجراء عمليات الترميم لإعادة إحياء هذا المعلم الحضاري الذي يشكّل رمزا تاريخيّا وسياحيّا للمدينة.
وتقع ناعورة المأمورية، وهي ثاني أكبر ناعورة في المحافظة بقطر 21 مترا، في حديقة أم الحسن أشهر حدائق حماة، وكان مجلس المدينة أعاد سنة 2016 تأهيل وترميم ناعورة الجسرية وكانت تسمى اليزبكية وتقوم بسقاية البساتين الواقعة شرقها، وتعدّ من أشهر نواعير حماة تقريبا لأنها تقوم على مقربة من جسر السرايا في وسط المدينة.
وتعتبر ناعورة المحمدية أكبر نواعير حماة وأختها الكبرى، إذ يبلغ قطرها 21 مترا وعدد صناديقها 121. وتمتلك هذه الناعورة قوة هائلة واستطاعة كبيرة في دفع الماء حيث تدور دورة كاملة كل عشرين ثانية تعطي خلالها 2400 لتر من الماء حيث كانت تمد بمياهها حي المدينة والبساتين المجاورة والجامع الكبير وحمام الذهب وقديما أطلق عليها اسم الناعورة الذهبية. يذكر أن مجلس مدينة حماة عمل على إعادة تأهيل نواعير المدينة تباعا وحسب عمرها ووضعها الفني.
النكس هواية الشجعان
مع ارتفاع درجات الحرارة في المدينة في فصل الصيف، لا يجد أهالي مدينة حماة التي تشتهر بعاصيها سوى اللجوء للسباحة في النهر لإطفاء غيظ الحرارة، عرف الشباب الحموي هواية خطيرة وهي القفز من على الناعورة، وتعرف باللهجة العامية “النكس”، هذه الهواية توارثتها الأجيال على الرغم من خطورتها، وتتطلّب شجاعة كبيرة، وتمنح شعورا استثنائيا أقرب ما يكون لإحساس الطائر، هكذا تأخذ الأيدي حركة الأجنحة، ويبلغ الأدرنالين ذروته مع التصفيق وتسارع السياح لالتقاط الصور.
الخطأ ممنوع في هذا النوع من القفز، فالشاب يتعلق بأحد صناديق الناعورة، ويحافظ على توازنه وتماسكه ليصل إلى أعلى نقطة فيها، وبعدها يقفز إلى المياه والناعورة تدور، وهي مغامرة خطرة قد تؤدي إلى نتائج مأساوية.
الصغار أيضا، لا يحرمون أنفسهم من فرصة النكس على علوّ منخفض، في أكثر مساحات نهر العاصي أمانا، وأقلّها عمقا، دون اعتبار اللوحات التحذيرية “تُمنع السباحة أو الاقتراب من الناعورة”، التي ينشرها مجلس المدينة على ضفاف العاصي. السياح لم يعودوا إلى مدينة النواعير، لكن الشباب الحموي مازال يقفز من أعالي النواعير للمغامرة والبهجة، والتشجيع القليل من الحاضرين.
حظيت مدينة حماة بعدد من الطواحين المائية ومازالت آثار بعضها تنتشر على مجرى نهر العاصي لتضيف إلى المدينة قيمة أثرية. والطاحونة المائية عبارة عن بناء حجري معقود السقف مبني على سدّ نهري له فتحات تدخل فيها المياه بقوة لتدير حجارة الرحى لطحن الحبوب.
ويقول عبدالقادر فرزات رئيس دائرة آثار حماة، إن الطواحين تختلف بشكل أساسي حسب ضخامتها وشكل دولابها المتحرك بقوة الماء وكيفية تركيبه في الطاحون، أفقيا أو عموديا، لافتا إلى أن أهم ميزة كانت في هذه الطواحين هي إمكانية إنتاجها لعدة أطنان من الدقيق في اليوم.
أما آلية عملها فيوضح فرزات أن قوة الماء المندفعة تدير عجلة أو دولابا خشبيا نحو المسننات الخارجية حيث تعطي حركة بدورها لأحجار الطاحونة دون أي جهد إنساني أو حيواني، مبيّنا أن هذه الأنواع من الطواحين تحتاج إلى تنظيم دقيق بالنسبة للماء على الضفاف والمجموعات العمرانية للتحكم في الماء وجرّه إلى الطواحين، ولهذا السبب انتشرت بالقرب من النواعير.
وأشار رئيس دائرة الآثار إلى أن معظم الطواحين في مدينة حماة هي من النوع المتطور وهي ثلاثة أنواع الرحى الشيبية والجبية والجغلية والأخيرة هي الأكثر تطورا، وتقسم إلى طابقين سفلي يحوي محرك الطاحون وعلوي فيه قاعة الطحن وأحجار ومستودع الحبوب وإسطبل.
ومن أشهر بقايا الطواحين المائية بحماة الغزالة والحلوانية والقاسمية والحجرين وكازو وطاحونة الباشية في محردة. وتبقى النواعير لوحة فنية وأثرية غاية في الجمال مازالت تنبض بالحياة وتشكّل رمزا حضاريا لمدينة حماة وأهلها، لكنّ شوقها للسياح مازال قائما.


www.deyaralnagab.com