logo
1 2 3 41120
اللبان ذهب صلالة الأبيض يفوح بروائح زكية !!
01.11.2019

لطقوس البخور تاريخ طويل في حضارات الشعوب في مختلف القارات، فهو حاضر في الأفراح والأتراح يحرقونه لتطييب رائحة المحلات، وطرد النحس وحتى السحر، وقد اشتهرت سلطنة عُمان منذ قديم الزمان بإنتاجها لأصناف عديدة من البخور الذي يستخرج من شجرة اللبان، هذه الشجرة التي تحظى بعلاقة خاصة مع أهل صلالة في محافظة ظفار تمدهم بالذهب الأبيض الذي صارت تفوح رائحته في مختلف دول العالم.
صلالة (سلطنة عمان) - تتمتع مدينة صلالة بأهمية كبيرة على خارطة السياحة العالمية؛ حيث تعدّ المدينة الواقعة في محافظة ظفار جنوب سلطنة عُمان معقلا للبخور، الذي يعرف بالذهب الأبيض، إلى جانب الشواطئ الساحرة والمناظر الطبيعية الخلابة.
ويحمل أحمد العويد سكينا حادا للغاية، لدرجة أنه يفتح به لحاء شجرة اللبان على الفور، وأوضح أحمد قائلا، “إذا قطعت بعمق شديد، فإن اللحاء لن ينمو مرة أخرى وتجف الشجرة”.
ويتدفق راتنج حليبي من جذع الشجرة ويتضخم ويتم كشطه من نفس الموضع بالشجرة بعد فترة، وفي المرة الثالثة “تنزف” الشجرة الأوليبانوم الثمين، الذي يعرف باسم اللبان فاتح اللون، ويتم التمييز هنا بوضوح بين أربعة مستويات للجودة حسب اللون، بدءا من اللون البني الداكن مرورا بلون العنبر والأبيض المصفر وصولا إلى اللون الأخضر الشفاف تقريبا. وكلما كان الراتنج فاتح اللون، كان أنقى وكان البخور أكثر قيمة.
في أوائل شهر أبريل من كل عام، وما أن تميل درجة الحرارة إلى الارتفاع، حتى يقوم ‏المزارعون بجمع اللبان، بتجريح الشجرة في مواضع متعددة، فالضربة الأولى يسمونها ‏‏ التوقيع، ويقصد به كشط القشرة الخارجية لأعضائها وجذعها، يتلو هذه الضربة نضوح سائل ‏لزج حليبي اللون، سرعان ما يتجمد فيتركونه هكذا لمدة أسبوعين تقريبا، لتتبعها عملية ‏التجريح الثانية.
ويبدأ الجمع الحقيقي بعد أسبوعين من التجريح الثاني، حيث ينقرون الشجرة للمرة ‏الثالثة، في هذه الحال ينضح السائل الحليبي ذو النوعية الجيدة، ويكون لونه مائلا إلى الصفرة.
وضرب أشجار اللبان ليست عملية عشوائية، وإنما ‏هي عملية تحتاج إلى مهارة فنية خاصة وإلى يد خبيرة، وتختلف الضربات من شجرة إلى أخرى ‏حسب حجمها، ويستمر موسم الحصاد لمدة ثلاثة أشهر، ويبلغ متوسط إنتاج الشجرة الواحدة ‏عشرة كيلوغرامات تقريبا من الثمار.
ويفتخر أحمد العويد قائلا، “يعتبر وادي دوكة الموطن الأصلي لشجرة اللبان”. وقد أدرجت منظمة اليونسكو خلال عام 2000 الوادي الجاف الواقع في محافظة ظفار جنوب عُمان على قائمة التراث الطبيعي العالمي، إلى جانب مواقع أخرى على طريق البخور الأسطوري.
ويتولّى أحمد العويد إدارة المحمية الطبيعية لشجرة اللبان، والتي تقع على مسافة 40 كلم شمال مدينة صلالة، التي تمتاز بأنها منتجع ساحلي لقضاء العطلات، وينمو في مجرى النهر السابق أكثر من خمسة آلاف نوع فريد من أشجار البخور العربية، مثل بخور الحوجري الملكي العماني، والذي يعتبر من أنقى وأغلى أنواع البخور في العالم.
ويجلس التاجر أحمد طه في بازاره في صلالة ويتحدث عن فوائد اللبان، الذي كان يتمتّع بقيمة أغلى من الذهب في العصور القديمة، وتنتشر رائحة حلوة ثقيلة في متجره، علاوة على أنه يقوم بحرق المزيد من الأنواع الأخرى من البخور، وربما يكون ذلك جزءا من استراتيجية البيع.
ويرتفع دخان البخور من أمام المتاجر الأخرى في سوق البخور، ويقع هذا البازار في المنطقة المجاورة لقصر السلطان ومتحف البخور، وخلف هذه المنطقة توجد أطلال البليد، والتي كانت تعتبر بمثابة ميناء البخور القديم في صلالة.
وأوضح أحمد طه أن مزايا البخور لا تقتصر على الرائحة الطبية فحسب، بل أنه يعمل على تهدئة الروح وتحفيزها، ويوجد موقد البخور في كل بيت عُماني حتى أن بعض الأشخاص يستخدمون اللبان كعلكة لتنظيف الأسنان.
في العام 2007، تم افتتاح متحف “أرض اللبان” في محافظة ظفار ليقدم للزائرين والباحثين لمحة عن المسيرة الطويلة لتجارة اللبان في عمان.
وقد شاع استعمال أنواع البخور من جنوب عُمان في مختلف الحضارات القديمة؛ حيث عرف الإغريق والفراعنة والرومان مزايا الروائح العطرية، كما تمّ العثور على بقايا البخور في قبر توت عنخ أمون في وادي الملوك، كما أحبّ الإمبراطور نيرون والملك سليمان رائحة البخور.
ويعتبر اللبان العماني مسكّنا للآلام ومكافحا للأمراض، ومقويّا جنسيا، وشاع استخدامه لعلاج كافة المتاعب والأمراض، من آلام الحيض حتى سرطان الجلد، ووصفه أحد أطباء الإغريق، ويدعى فيدانيوس ديسقوريدوس، بأنه دواء لكل داء، موصيا باستخدام صمغه في علاج القروح والتئام الجروح. وقال التاجر فاضل فاضل “اللبان الحوجري علاج طبي. يذيبونه في الماء ثم يشربونه. إن فيه فوائد كثيرة لعلاج أوجاع الحلق والغازات. وإن لم ينفع فإنه لا يُضر”.
وتطوّرت المنطقة الواقعة في محافظة ظفار في العصور القديمة واشتهرت أنواع اللبان المختلفة، وكان يتم تقديم البخور للآلهة في معابد روما وبابل وبلاد فارس ومصر، وكان يطلق عليها اسم “دموع الآلهة”.
ولفترة طويلة لم يكن من المعروف من أين يأتي البخور، ولكن قوافل الجمال كانت تحمل “الذهب الأبيض” منذ 2000 عام قبل الميلاد من منطقة ظفار العربية على طريق البخور الأسطوري وتمر به عبر اليمن، ثم الطريق التجاري على طول البحر الأحمر مرورا بمكة المكرمة ومدينة البتراء الأردنية، ثم تتجه الرحلة إلى دمشق أو إلى الإسكندرية.
وقد أدّت تجارة البخور إلى ازدهار المنطقة وثرائها، ولقد ظلت أصول هذه التجارة من الأسرار لفترة طويلة مع تأمين طريق التجارة جيدا، وفي البداية كان يتم جلب البخور من هذه المنطقة إلى أوبار، التي تعتبر مدينة القوافل ونقطة الانطلاق على طريق البخور، وكانت القافلة تضم ما يصل إلى ألفين من الجمال محمّلين بالتوابل والأحجار الكريمة والبخور.
وإلى جانب أوبار كانت سمهرم التاريخية تعتبر نقطة انطلاق على طريق البخور، وقد تمت إعادة ترميم القلعة الكبيرة لهذه المدينة الساحلية مع ميناء البخور “خور روري” خلال عام 2014، والذي يشهد على الأهمية السابقة لتجارة البخور، والتي تعتبر من أهم العوامل الاقتصادية لمحافظة ظفار حاليا إلى جانب النشاط السياحي بها.
وتتعرض أشجار اللبان حاليا لتهديد حقيقي بسبب الجمع المفرط لصمغها، فضلا عن خطر توسع مناطق العمران على حساب المناطق المزروعة.
ويتم هنا إنتاج سبعة آلاف طن من البخور سنويا، والتي يتم بيعها في جميع أنحاء العالم. وبطبيعة الحال يأتي معظم السياح هنا من أجل الاستمتاع بالشواطئ الرملية المطلّة على بحر العرب والتجول وسط المناظر الجبلية الخلابة.


www.deyaralnagab.com