logo
"برَيَّة": حالة فنية... في صحراء النقب!!
بقلم : رأفت أبو عايش ... 15.10.2017

ظلّ المشهد الفني والثقافي في النقب في العقود الأخيرة محصورا في المبادرات الفردية والأعمال فولكلورية الطابع، والتي سرعان ما تضمر وتتلاشى بعد حين، وذلك في ظل عدم وجود الدعم المؤسساتي وحداثة الحالة الحضرية في النقب إجمالا.
وعلى الرغم من ظهور بعض البوادر المدنية في النقب، مطلع القرن العشرين، مع إنشاء مدينة بئر السبع 1905، إلا أن نكبة الشعب الفلسطيني، وما نتج عنها من تهجير لحق بالغالبية الساحقة من أهل النقب، وأد هذه المحاولات.
وفي السنوات الأخيرة ظهرت بعض المبادرات الفنية، ولعل أبرزها مسرح "المهباج" الذي حاز على العديد من الجوائز، مؤخرا، ولقيت عروضه استحسان النقاد والجمهور، كما اجتاحت رقصة "الدحية"، المستوحاة من الفن الشعبي البدوي، أنحاء البلاد، مخلفة جدلا واسعا حول "أصالتها" وقيمتها الفنية. إلا أن هذه التجارب ظلت هامشية في المشهد الفني الفلسطيني وظل النقب "موضوعا" فنيا أكثر منه فاعلا نشطا في المشهد الثقافي الفلسطيني.
مجموعة "برية" تنظم معرضها الفني الثاني تحت عنوان "أمر هدم"
تسعى مجموعة "برية"، والتي تضم مجموعة من الفنانين التشكيليين والمصورين من مختلف أنحاء النقب، لتغيير هذا الواقع وتدشين إطار يكون حاضنة ودفيئة للمبادرات الفنية المحلية وحيزا للتعبير عن الذات الفنية في النقب. ومن هذا المنطلق، تنظم المجموعة معرضا فنيا بعنوان "أمر هدم" في قرية حورة في السادس عشر تشرين الأول/ من أكتوبر، تعرض من خلاله أعمالًا منتقاة للمجموعة.
"أمر هدم" - حورة
يستخدم أعضاء المجموعة أساليب مختلفة بالرسم، مستخدمين الفحم، الألوان الزيتية، الأشغال اليدوية، الرمل والحجارة، وصولًا إلى الخط العربي وتشكيله، في أعمالهم الفنية.
ويقول أعضاء المجموعة إنهم "يستخدمون الفن والمهارات التشكيلية المختلفة بين أفراد المجموعة لنقل الصمود، المعاناة والمعركة اليومية التي يعيشها أبناء النقب، في النضال ضد المستعمر، بمساهماتهم المختلفة" وكان لـ"عرب 48" لقاء خاص مع أعضاء المجموعة في خضم التحضيرات للمعرض.
حالة فنية... في صحراء النقب
11 فتاة وشابًا يجلسون في أروقة جامعة بئر السبع، في مشهد ربما كانت احتمالية رؤيته في سنوات سابقة في النقب ضربا من المستحيلات، 12 مقعدًا رُتبت بشكل دائري تتوسطها طاولة مليئة بالأقلام والفحم والأوراق وعدة لوحات خشبية تحمل رسومات وضعت جانبًا.
الطاقة المبذولة والحيوية التي تخرج في الشرح الذي يقدمه أفراد المجموعة عن أعمالهم الفردية، والتي ستعرض لأول مرة في معرض واحد "أمر هدم"، قد تصف إحدى اللوحات الملقاة هنا، بأفضل شكل، رسالة المعرض والحماسة الكبيرة التي تستحوذ على المشاركين فيه والقائمين عليه.
يحمل لقاؤهم صيغة العرض والتقييم، طرح الأفكار وطلب النصح بين أفراد المجموعة والاستشارة في حل نواقص اللوحات غير المكتملة وحيثيات المعرض التي لا تزال بصيغتها الأولية، بإمكانك لمس طبيعة العمل الديناميكية بين الأفراد، وجديتها، والتوجه الإنتاجي للأفراد عند الغوص في النقاشات، قد تقطع الحديث المهني جدا بعض النِكات، المزحات والضحكات التي يغلفها طابع الصداقة، لمجموعة من الفتيات والشبان جمعها الفن وحب النقب في تكوين رسالتها، كما تظهر القيمة المضافة لمثل هذا الاجتماع عند سماع النصائح التي تسدى لكل مشارك ومشاركة عند عرض لوحته أو مساهمته في المعرض القادم.
"ألوان زيتية، ظِلال، رسم بالرمل، رسم بالفحم"، ليست بالمصطلحات التي قد تسمعها آذاننا وتستصيغها بشكل عام، لكنها مركز العالم لبعض هؤلاء الشباب، بتفاوت الخبرات وتبادلها بين أعضاء المجموعة، وهم طلاب جامعات في معظمهم من النقب يتطور الفنان منهم في كل جزئية من العمل، وينقل لك حماس الشباب هذا ال;D ترقبه في عيونهم و"شيطناتهم" الإبداعية في أعمالهم، حقيقة ألا حدود للتطور الفن والفنان.
"بْرَيَّة" بفتح الراء والياء المشددة
عليك نطقها بهذه الطريقة، "بْرَيَّة"، بفتح الراء والياء المشددة، وهي إحدى النقاط التي أزعجت المجموعة عند اللحن في النطق الخاطئ للكلمة، فهي كلمة جزائرية الاستخدام، عثمانية الأصول تأتي من بَرَاتْ، وتعني (أمر سلطاني، رسالة سلطانية). تجمع بالعثمانية = بَارَاوَاتْ.
يرى أفراد المجموعة من خلالها (التسمية)، أن أعملاهم قد تكون باراوات (مراسيم) نحو استرجاع و ترسيخ قيم الفنون التشكيلية والمرئية في مجتمع لعبت فيه هذه الفنون دورًا تاريخيًا رئيسية، من صناعة البيوت القماشية البدوية وتطريزها وتلوينها، وحتى البساطات والملابس، إلى جانب الغناء، الشعر، الدحية وسرد القصص، والمثال الأفضل على ذلك كان أن نوعية التطريز في ثوب المرأة، والألوان التي يزين بها في صحراء النقب، قد يحمل الكثير من المعلومات عنها، حالتها الاجتماعية، المنطقة التي تنتمي إليها، والكثير من التفاصيل الأخرى.
أعضاء المجموعة هم: خريج الهندسة والتصميم المعماري، أحمد أبو بدر، طالبة علم نفس، ميرفت أبو طه (رسم)، طالبة التمريض، سجود محمد (رسم، خط عربي، كتابة على الزجاج)، طالبة علم الحاسوب والفنون، عدن عامر من كفر قاسم، طالبة لقب أول فنون، تحرير الزبيدي (رسم وفن تشكيلي)، طالبة هندسة معمارية، نادية العطاونة من حورة (رسم)، منى ليزا أبوعمار رومانية متزوجة في النقب (رسم وفن تشكيلي)، عمر النباري (مصور فوتوغرافي)، طالبة تربية وتعليم، ألفت أبو جامع (خط عربي)، عبير أبو كف من قرية أم بطين (مصورة)، طالبة تربية وتعليم، سجود العمور (خط عربي)، طالبة علم النفس، لبنى المسعودين (خط عربي)، سجود أبو زقيقة (رسم).
"عرب 48" يحاور "بْرَيَّة"
بدأنا محادثتنا المشتركة مع مجموعة "بْرَيَّة" بالسؤال عن المعرض القادم، "أمر هدم"، حول رسالته وأهدافه:
تحدثت مرفت أبو طه، بهدوء واثق عن معرض أمر هدم، قائلة: "رسالتنا ليست سياسية، نحن نعايش يوميًا ضياع حقوق إنسانية بسيطة من شعبنا، العيش تحت سقف دافئ والحصول على مياه للشرب ليس من حق أحد أن يعرفه كمطلب سياسي، إن رسالتنا إنسانية بالدرجة الأولى وهو الدور الذي على الفن لعبه في حياتنا قبل أي دور آخر، دون الانتقاص من أي توجه أو حراك سياسي".
بدوره، أضاف أحمد أبو بدر، أن "الفن لمن يحاول فهمه قد يكون اللغة الوحيدة التي لا حاجة لترجمتها، إن معرضنا القادم ينطلق من قرية حورة البدوية، ولكنه ليس المكان الوحيد أو الجمهور الوحيد الذي يستهدفه، نحن نسعى لعرضه خارج النقب، نريد ان ننطلق إلى حيفا ويافا وأي مكان يرحب في استقبالنا، وإلى العالم بأسره إذا سنحت لنا الفرصة، ولن نحتاج لتغيير الكثير، فنحن نحاول عند التوجه لمجتمعنا اليوم فعل ذلك بأفضل المعايير الممكنة، حتى إذا احتجنا ان نتخطى حدود قدرتنا واستطاعتنا".
ليأخذ الحديث منحًا شخصيًا أكثر، إذ بدأ يتمحور حول المشاركات الفردية والاختلاف في أسلوب العمل لدى كل عضو في المجموعة؛ كيف يضيف التمييز الفردي الى عمل المجموعة ككُل؟
أشارت تحرير الزبيدي، رسامة بالألوان الزيتية، والتي تحمل في يدها رسمة أنجزتها تصور فيها الشهيد يعقوب أبو القيعان، إلى أنها "استخدم الألوان الزيتية في أعمالي، اعتماد الألوان الحارة (النارية) لإضافة الحدة والحرارة إلى العمل.
وأضافت "استخدم الخيش في أعمالي، وهو القماش الذي كانت تخاط منه البيوت البدوية قديما، وكان يصنع من شعر الماعز السوداء قديمًا (معلومة تاريخية - منع الاحتلال تربية الماعز السوداء خلال فترة الحكم العسكري بحجة التهامها لأعشاب نادرة والسبب الأساسي منع عرب النقب من التوسع وبناء المزيد من البيوت، مما دفع أهالي النقب للتوجه لبناء البيوت الحجرية على امتداد أراضيهم)".
وتابعت "استخدم كذلك المعادن التي أتعمد كثيرًا إدخالها في اللوحات لأني أرى أنها تضيف قوة وواقعية، اللوحات التي سأشارك بها تسمى ثلاثة أجيال، وتتحدث عن انتقال عملية الصمود في الأرض بين ثلاثة أجيال مختلفة".
وختمت بالقول "أحاول دائمًا إيصال فكرتي كاملة إلى المشاهد، أن يفهم كل ما أصبو إليه عبر اللوحات، وأعتقد أن الربط ببقية الأعمال المشاركة في المعرض سيساعد على ذلك، التنوع في الأسلوب سوف يثير المزيد من الاهتمام لدى المشاهد ويرسخ لديه توقع المفاجآت عند استطلاع سائر الأعمال".
كيف نوفق بين الدراسة وبين تطوير الموهبة؟
تجيب عدن عامر من كفر قاسم، الكثير من اللوحات تحتاج إلى مجهود نفسي، ذلك إلى جانب ساعات طويلة من العمل على إتمامها على أفضل وجه وبالشكل الذي ترسمه مخيلتنا، ليس بالأمر السهل التوفيق بين الاثنتين معا، ففي الشهر الأخير قبيل المعرض، أصبحت أمضي ثلاث ساعات يوميًا في العمل على اللوحات إلى جانب ثلاث ساعات من الدراسة لإنجاز واجباتي وتنظيم يومي، ومنا من لديه امتحان في نفس يوم المعرض وسيتواجد في الالتزامين".
وحي الاسم "أمر هدم"، والعلاقة المباشرة لأفراد المجموعة بالسياسة الإسرائيلية التي تعتمد الهدم والتشريد لدفع أهالي النقب إلى الرحيل عن أراضيهم، أفادت نادية العطاونة، بأنه خلال دعوتها لإحدى صديقاتها لحضور معرض "أمر هدم"، أجابت صديقتها بأنها لا تستطيع ذلك لأن "سلطة الهدم" استصدرت أمر هدم بحق منزلها ومنزل أفراد عائلتها".

المصدر : عرب48

www.deyaralnagab.com