logo
أعيدوا النظر في احتفالات التهريج والتخريج.. "أليس منكم رجلٌ رشيد"؟!!
بقلم :  محمد أسعد يونس ... 22.03.2019

إحتفالات التخريج في مدارسنا مشكلةٌ بحدّ ذاتها تحتاج إلى حلّ، وهي في الوقت ذاته عَرَضٌ لأمراضٍ خطيرة أكثر فتكًا وأكثرُ عمفًا نحن مبتلون فيها لا داعي لتفصيلها في هذه العُجالة.
في هذا النداء المُوجّه للجميع، للطلاب وأهاليهم، لمسئولي المدارس والسلطات المحلية، للجان أولياء الأمور ولأهل النخوة والغيرة.. أدعو هؤلاء جميعًا لإعادة النظر في كثيرٍ من مظاهر احتفالات التخريج في غالبية مؤسساتنا، بدءًا من الروضات والبساتين، مرورًا باحتفالات تخريج الصفوف السادسة، والصفوف التاسعة، والثانية عشر.
ولو أنّ احتفالات التخريج اقتصرت على حفلٍ متواضع هادىء داخل المؤسسة التي تعلّم فيها الطالب، لكان الأمر مقبولاً إلى حدٍّ ما، بشرط أن نتقيّد بما نحن مُلزمون به من ضوابط الشرع، أما أن تتحول الاحتفالات إلى مهرجاناتٍ يُهدر فيها ما تبقّى من أخلاقٍ وحياءٍ، وتُسكب فيها الأموال، فهذا ما يجعلنا نطرح السؤال الكبير الذي سأله الرجل الصالح لقومه ذات يوم قبل أن ينقلبَ عاليها سافلَها: "أليس منكم رجلٌ رشيد"؟!.
وعندما تنعقد ألسنتنا من الدهشة ولا نستطيع الإجابة رغم أننا نعرفها تمامًا، وعندما نلوي أعناقنا وكأنّ الأمر لا يعنينا، تبدأ الأسئلة بطرح نفسها، واحدًا بعد الآخر:
لماذا تُقام بعض احتفالات التخريج المدرسية في قاعات الأفراح وليست داخل المؤسسة التي تعلّم فيها الطالب؟
وحتى لو أقيمت داخل المؤسسات، لماذا تبدو بهذا الشكل والمضمون؟
ولماذا يشبه احتفال التخريج احتفالاتِ الأعراس مع ما فيها من بذخٍ وإسراف؟
لماذا يُطلب من الطلاب والطلاب شراء وارتداء ملابس خاصة بحفل التخريج؟، تكون على الأغلب مُخالِفةً للزيّ المدرسي الذي لبسه الطالب خلال مسيرته، ويضطر الأهالي لشرائها بمبالغ طائلة لا حاجة لإهدارها.
لماذا يجب أن تتحوّل وجوه خريجات الصف السادس إلى معرضٍ لألوان الماكياج، وسطَ شعر الرأس المنفول أو المفروش أو المنفوش بعد ساعاتٍ من جلوسها تحت أمشاط أمّها أو تحت مكوى أرباب الصالونات!؟ هذا في الوقت الذي تقف فيه هذه الفتاة على أبواب البلوغ، وكان الأولى أن نعلّمها كيف تدخل إلى هذه المرحلة بخطى العفاف وأقدام الحشمة لا أن نساعدَها على كسر عتبة الحياء؟
وإذا كان هذا وضع طالبات الصف السادس، فماذا يخطر في بالك إن تحدثنا عن تخريج طالبات الصف الثامن أو التاسع في المدارس الوسطى أو الإعدادية؟، فهؤلاء ينطبق عليهنّ نفس الوصف من حيث بهلوانيّة المظهر، لكنّ الأمر أشدّ وطئًا لأنهنّ فتيات بالغات مُكلّفات يجب أن يلتزمن بشرع الله. فأين المؤمنون الذين يجب أن يقوا أهليهم نارًا وَقودها الناس والحجارة؟ أم أن نداء القرآن موجّه لمؤمنين في عصرٍ آخر ومكانٍ آخر؟!.
ثم نرتقي درجةً لنصل إلى احتفالات الثاني عشر. ومع ارتقائنا في حفل التخريج ننحدر أكثر في مستوى أخلاقنا وتدنّي أدبنا مع الله وجرأتنا على شرعه. فطالب الثانوية المتخرّج يتحوّل إلى شِبه عريس ينفق مبالغ كبيرة لكي يلبس الملابس المطلوبة، وتتحول طالبة الثانوية المتخرّجة إلى متبرّجة-مهرّجة، بعد أن كانت على مدار السنوات الماضية متبرّجةً فقط.
ألا يعتقد هؤلاء الذين ينظمون الاحتفالات، من مديرين ومديرات، ومربي الصفوف ومربيات، وآباء وأمهات، ومسئولي السلطات المحلية والمسئولات، والمفتشين والمفتشات، أنهم عندما ينظمون هذه الاحتفالات أو يسمحون بها أو يرضون عنها فإنهم يتيحون للطالبات المتبرجات عرض مفاتنهنّ وتبرّجهن تحت أنظار وعيون من لا يحقّ لهم النظر إليهن؟ ألا يعلم هؤلاء أنهم مشتركون في هذا الذنب وفي نتيجة هذه المعصية؟.
لن نسأل هنا إن كان بعض الطلاب والطالبات يستحقون أن نحتفل بهم بسبب سلوكهم المتدني أو تحصيلهم الدراسي الأكثر تدنيًا، فهذا موضوعٌ آخر. لن نسأل أيضًا إن كان بعض الخريجين والخريجات يُصلّون أو يحفظون شيئًا من القرآن، فهذا أصبح في زماننا أمرًا يخجل أهل التربية من الحديث فيه حتى لا يصفوا بالجهل والتخلّف. لن نسأل إن كانت في غالبية مدارسنا غرفٌ للصلاة من أجل تشجيع الطلاب على أداء صلاة الظهر في المدرسة، وإن كانت بعض المدارس تحرمهم من الصلاة لو حاولوا ذلك بحجة عدم التسيّب من الصفوف. لن نسأل إن كان أحدٌ يفكّر في تخريج جيلٍ حاصلٍ على الشهادة العلمية من جهة وملتزم بالشرع من جهة أخرى. اللعاب كلّه يسيل من الأفواه لهثًا وراءَ الشهرة والمال والوظيفة المرموقة، وبالتالي ماذا لو تخرّجت الطبيبة وهي لا تعرف عن دينها إلا القليل ولا تلتزم أصلاً بهذا القليل؟! وماذا لو تخرّج الشابّ مهندسًا يعرف كيف يبني العماراتِ لكنه لا يعرف كيف يمهّد لحياته الآخرة الخالدة؟!.
لن نسأل أيضًا إن كنّا كآباء وأمهات، أو طواقم في المدارس الثانوية، هيأنا خريجي الثانويات إلى هذه الفترة الحرجة من أعمارهم، سواءً توجّهوا للدراسة في الجامعات والكليات خرجوا إلى سوق العمل. هل فعلاً هيأناهم لهذه الفترة من حياتهم التي يحتاجون فيها للانضباط من خلال آية "إنّ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر". لن نسأل عن الأغاني التي تصدح في الاحتفالات ولن نسأل عن نوعيتها. لن نسأل عن نشر صور الخريجين والخريجات في وسائل الإعلام بكّل ما فيها من سوءٍ حتى تصبح المعصيةُ سيئةً جارية. لن نسأل هنا عن واقع مدارسنا المختلطة أصلاً التي فيها من البلاء ما فيها. لن نسأل الكثير من الأسئلة، لأنها تحتاج إلى تفصيلٍ وبيان.
إنّ احتفالات التخريج والتخرّج في غالبيتها احتفالات تهريج وتبرّج، وتبذيرٌ للمال وهدرٌ للحياء، وسوء أدب مع الله ومع الطلاب أنفسهم ومع أهاليهم، ومع شعبنا وأمتنا.
بعد سنواتٍ من احتفالات التخريج الصاخبة، سيقرأ هؤلاء الخريجون عن نسب الطلاق العالية في المجتمع، وعن الأسر المفككة، وسيجد الكثير منهم أسماءهم ضمن تلك القوائم. أما حساب الآخِرة.. فتلك قضية أكبر وأدهى وأمرّ يعرفها الصغير قبل الكبير.
إنّ الأمّة التي لا تعرف كيف تُخرّج.. لا تعرف أصلاً كيف تربّي.


www.deyaralnagab.com