logo
انتصاراتكم المقرفة…!!
بقلم : سهيل كيوان ... 01.01.2016

لم يسجل العرب في تاريخهم مثل هذه الأعداد الهائلة من الانتصارات القزحية الألوان والجنسيات والمواقع واللغات والتنسيقات، انتصارات عربية روسية، وعربية أمريكية وكندية، وعربية أوروبية، وعربية إيرانية، وعربية كردية وعربية تركية، وعربية عربية، وعربية إسرائيلية.
انتصارات فاضت عن حاجتنا، فلا تمر ساعات حتى يبشرونا بانتصار جديد، حتى تعبنا من احتفالات النصر. تحققت الأممية وأخوة الشعوب وتجلّت على أرض العرب، فهرعت الجيوش من كل فج عميق أو غير عميق، لتحارب وتنصر العرب على العرب وتقدم النصر هدايا لعرب منتصرين على عرب مهزومين!
من حق أهل موسكو وسانت بترسبورغ أن يفرحوا بانتصارات جيشهم، انتصارات وأمجاد لم تتحقق لهم في حربهم الوطنية في مواجهة الغزو الفرنسي لبلادهم عام 1812!
القيصر بوتين عمل لروسيا هيبة وكيانا وقواعد مضمونة في أرض العرب، وبتكلفة بضعة روبلات، فبينما كلّفت محاربة نابليون مئات آلاف القتلى من الروس، لم تكلفهم الأمجاد الجديدة شيئا من القوى البشرية، الطائرات تلقي حممها على العرب، والجميل أن العرب يرقصون، وسيدفعون ثمن كل قذيفة عشرة أضعاف ثمنها، مثلما يدفعون لأمريكا وبريطانيا وفرنسا، فلا أحد أحسن من أحد، هكذا حصلت روسيا على حصتها من لحم العرب.
يحق لأهل واشنطن أن يرقصوا ويحتفلوا بانتصاراتهم في العراق، فبعد أن دحرتهم المقاومة العراقية بعد الغزو ولفّوا ذيولهم بين سيقانهم وهربوا مهزومين! عادوا منتصرين تارة بقناع البغدادي وتارة بقناع الكربلائي وتارة بقناع الرمادي!
أما أحق الناس بالفرح والرقص فهم «أهل الكتاب» في تل أبيب، من حقهم أن يكونوا الأكثر سعادة للانتصارات التي يحققها العرب على العرب، فانتصارات العرب ووحشيتهم جعلت منهم ملائكة رحمة في فلسطين، فما تقتله إسرائيل في ثلاثة أشهر و(هذا يشمل الإعدامات الميدانية للأطفال) يحصده العرب وحلفاؤهم في ساعات، فارقصوا وافرحوا يا أبناء وبنات تل أبيب وأورشليم، فسكاكين المطبخ هي آخر ما وصله العرب لمحاربتكم بعد قرن من الصراع، بينما تنهمر على العرب آخر صرعات الصواريخ والبراميل التقليدية وغير التقليدية مع إمكانية التبديل والتجريب.
اجتمعت البشرية ضد الغزو الإسلامي، الذي كما يبدو وصل من مجرة بعيدة، فجأة هبط المسلمون في بلاد الحرية والعدالة والنور، وبما أن الخطر شامل على البشرية جمعاء، وليس على العرب لوحدهم، فقد أُعلن النفير، وصار قتال الغزاة المسلمين فرض عين على كل متنوّر وديمقراطي وجمهوري وملكي قادر على حمل السلاح، وصار العداء للمسلمين الغزاة سُلّما للطامحين بالمجد، مثلما كان «تحرير فلسطين» مفتاح الفرج لكل من ينوي أن يربخ بالحكم المؤبد على صدر شعبه.
أرهقتنا الانتصارات والفتوحات المبينة في العراق وسوريا واليمن، فما أن نوشك على الصحو من نشوة نصر، حتى تتبعها نشوة نصر عاجل، وقد أحصت محطة أرصاد الانتصارات في الشهرين الأخيرين معدل انتصارين وربع الانتصار في اليوم الواحد! حتى صرنا نرى خريطة الانتصارات مثل النشرة الجوية، انتصار قبل الظهر، وغزوة بعد العصر، وفتح مبين فجر السبت.
الانتصارات كثيفة وتدمير العدو الإسلامي شامل، حتى أن بعض من مازالوا يحتفظون بشيء من إنسانيتهم اضطروا للتساؤل «أليس بين هؤلاء المسلمين أبرياء ومدنيون! وهل يعقل أن تكون أمة لا إله إلا الله كلها أو نصفها أو حتى ربعها من الإرهابيين! ألا يجوز أن يكون بينهم أطفال ونساء وشيوخ ومقعدون وأناس عاديون لا يطلبون سوى رغيف الخبز والماء بكرامة!
لا حاجة لمثل هذا التدقيق المتعب، ما دام الضحايا من العرب والمسلمين، فإذا كان قادتهم مبسوطين ومحتفلين، وهم الذين يؤكدون ليلا ونهارا، قعودا وعلى جنوبهم أن شعوبهم إرهابية فما شأننا نحن الأجانب لندخل في هذه التعريفات!
ألف غارة في أسبوع، خمسة آلاف في أسبوعين، وكلها لا تصيب سوى الإرهابيين، يهبط الصاروخ أو البرميل وقبل انفجاره يسأل القوم: هل فيكم أبرياء! فيقولون حاشا وكلا، كلنا إرهابيون! فالمسلم إرهاب، أو داعم لإرهاب، أو أنه في يوم ما سيكون إرهابا، حتى المسلم الذي يزعم أنه متنور، أو يساري أو متشبع بأفكار الثـــورة وفولتير وجان جاك روسو أو الشيوعية أو الأممية أو اللوثرية أو ابن عربي أو جلال الرومي، فلا بد أن يأتي يوم ويستل خنجره أو حزامه الناسف، فلا تحزنوا عليهم إذ هم يُقتلون.
في غمرة هذه الانتصارات يجري التنسيق بين أبي إيلي بوتين ونتنياهو، تارة للتهاني المتبادلة بانتصارات العرب على العرب، وتارة لتعيين مواعيد الانتصارات المقبلة، ولضمان أمن الحبيب الغالي في تل أبيب، وإيجاد مكان له في الحلبة المزدحمة بالراقصين!
تحولت محاربة المسلمين إلى نادٍ دولي كل من ينضم إليه يحصل على امتيازات، اقتل قدر استطاعتك وحاجتك من المسلمين من دون أي مساءلة، بل واحصل على براءة بأثر رجعي من تهم قد تكون منسوبة إليك بجرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية وحتى إبادة شعب، وما دمت عضوا في نادي محاربة الإرهاب الإسلامي، فأنت حر بتحالفاتك وتصرفاتك الثانوية، اختر الحليف الذي يعجبك من الأنظمة، المهم أن لا تؤذي غيرك من الحلفاء وافرح بنصيبك.
لم نعد نسمع في الوطن العربي سوى الانتصارات، انتصارات على بيوتنا وقرانا ومدننا، وعلى أبنائنا وأطفالنا ونسائنا وجنودنا وثوارنا وضباطنا، ليس لدينا سوى الانتصارات، بينما تشهد شعوبنا أكبر عملية نزوح في التاريخ البشري، ليس عندنا سوى الانتصارات، ومن دون أن نطلق رصاصة واحدة على من يحتلون بلادنا.
ألا بئس الانتصارات وبئس المجرمين الظالمين، تخلقون الإرهاب ثم تجيّشون العالم لمحاربته، ثم تعلنون انتصاراتكم على ما صنعت أيديكم! لا ولن يكون في تاريخنا لكم سوى الخزي والعار والشنار والمكان الذي صرتم تعرفون الطريق إليه.


www.deyaralnagab.com