logo
نحبُّكم أيها المرضى…!!
بقلم : سهيل كيوان ... 13.09.2018

التقيت قبل أيام وبعض الكتاب المحليين، مع العشرات من الرجال والنساء من مختلف الأعمار، جمعهم أمرٌ واحد وهو علاقتهم المباشرة مع مرض السرطان الخبيث، إما هم أنفسهم أو أحد أبناء أسرهم.
جاءت الدعوة من قبل جمعية باسم «أشواق الربيع»، من أجل جودة الحياة لأطفال مرضى السرطان.
أسسها قبل عامين شاب ثلاثيني وقعت ابنته ضحية هذا المرض منذ كانت في الثانية من عمرها، والآن صارت في السادسة، وقد شفيت من مرضها تماما بإذن الله، كان رافقها طيلة فترة علاجها فاكتسب تجربة غنية وأراد نشرها حيثما استطاع للتخفيف عن المرضى وذويهم.
تهدف دعوة الكتّاب لهذا الاجتماع إلى أن يرافق كل كاتب أحد المرضى أو ممن شفي من المرض أو القائم على رعاية مريض، ليبوح كل واحد من هؤلاء للكاتب عن تجربته، ثم نقلها في قصّة، وجمع تلك القصص في كتاب لتصدر خلال الأشهر القريبة المقبلة.
جرى نقاش حول الطريقة التي ستكتب فيها القصص، هل نكتبها قصصا قصيرة مُكثفة، أم بتفاصيل وتشعّبات بلغة تقريرية كما يرويها المتحدث، أم بلغة أدبية؟ وهل يُدخلُ الكاتب رؤيته ومشاعره فيها، أم ينقل حرفيا ما يبوح به المريض؟ أم بصيغة حوار وسؤال وجواب؟ ثم ما هي المساحة المخصصة لكل واحد؟
قالت سيّدة كانت مرافقة لحفيدها الذي أصابه المرض في عينه، إن المريض نفسه لن تهمه قراءة القصص، ولم تكن هي قادرة على قراءة الصحف أو القصص، وقد تمر أيام طويلة لا تسمع فيها الأخبار، لا المحلية ولا الدولية، فحفيدها المريض صار كل عالمها، وعُزلت تماما عن العالم الخارجي.
ثم قالت إن هناك من يعاني أكثر من الآخر، حتى وإن كانا مريضين بالمرض نفسه، فبعض مرافقي المرضى يستطيعون في آخر النهار أن يعودوا إلى بيوتهم، ثم يعودون في اليوم التالي- وقد ارتاحوا- مستعدين، ومنهم من تفصلهم مسافات طويلة فيضطرون للمبيت أياما في المستشفى أو على مقربة منه، وهناك من يأتون من قطاع غزة إلى داخل منطقة 48 كمرافقين للمرضى في المستشفيات الإسرائيلية، وهؤلاء معاناتهم مضاعفة، فهم لا يستطيعون العودة إلى القطاع حتى إنهاء الفترة العلاجية كلها، وتبدأ معاناتهم منذ لحظة العمل للسماح لهم ولمريضهم بالدخول، ولن نتحدث الآن عن البيروقراطية في موافقة السلطة في رام الله على تغطية تكاليف العلاج أو جزء منها، التي قد تستمر لعدة أشهر يكون المرض خلالها قد استفحل أكثر، هذا إذا حصل المريض على موافقة أصلا، ولن نتحدث أيضا عن استغلال الاحتلال لتبييض صحيفته من خلال استغلال المحتاجين من الأطفال المرضى وذويهم، فيضطر هؤلاء للبقاء إلى جانب المريض في المستشفى عدة أسابيع أحيانا، وهذه معاناة أخرى وتكاليف لا يقدر عليها سوى قلائل.
وقالت هذه الجدّة: أقترح أن يحضر الكاتب إلى الأسرة، ويعيش معها يوما في بيتها مع المريض وذويه، ويحاول أن يسمع المريض ويراقبه، كيف يتعامل مع مرضه، وما هي أحلامه وهواجسه.
ثم تحدث طبيب رافق بعض المرضى في فترة علاجهم فقال: إن أصعب اللحظات على الفتية والشبان والشابات من سن الرابعة عشرة وحتى العشرينيات من العازبين، عندما يفاتحهم المختص والطبيب بموضوع حفظ سائلهم المنوي أو بويضاتهن في بنك المنويات والبويضات للاستعمال المستقبلي، وذلك بأنهم بعد الكيميائي يفقدون القدرة على الإخصاب على الغالب، فهم لا يستطيعون استيعاب هذا الأمر الذي سيفقدونه بعد العلاج، ولماذا عليهم أن يحفظوا سائلهم، وأنهم إذا تزوجوا سينجبون أبناءهم فقط من خلال عملية تخصيب صناعية، وكيف أن حياتهم ستختلف رأسا على عقب عن حياة الآخرين، هذا ينطبق أيضا على مرضى متزوجين لم ينجبوا بعد، أو يريدون إنجاب طفل آخر.
تحدثت سيدة جميلة وأنيقة في الثلاثينيات من عمرها عن إصابتها بالمرض قبل ثلاثة أعوام، لا تبدو عليها مظاهر المرض التي تظهر عادة على هذا النوع من المرضى، فقالت: «المشكلة ليست مع المرض نفسه فحسب، بل إن المرض قد يكون أخف وطأة على المريض من طريقة العلاج، التي قد تكون بالحرق أو بالكيميائي أو بكليهما، هذا يضعف المناعة كثيرا»، وعن تجربتها قالت: «بعد الوجبة الأولى من الكيميائي توقفت عن أخذه، وسافرت إلى البيرو مع مجموعة مرضى بعدما سمعنا عن دواء يُستخلص من ضفدع يعيش في الأمازون، الضفدع يفرز سائلا عند تعرضه للخطر، ويقوم محليون في البيرو بتربية هذه الضفادع وجمع سائلها بطرق خاصة، هذا السائل يُحقن في جلد المريض ويؤدي إلى تعرق وتقيؤات لمدة ساعة، ومن بعدها يكون الجسم قد حصل على وجبة من المناعة الطبيعية، وهو يفعل فعل الدواء الكيماوي، ولكن بدون أضرار جانبية، هذا السائل يستعمله رياضيون لتقوية أجسامهم على التحمّل»، وتابعت: أشعر بخير، وقد شفيت، ولا أنصح بالتسرع في استعمال الكيماوي، لأن الضرر بعد الكيميائي يكون قد حصل».
المبادر لتأسيس هذه الجمعية شاب أصيبت ابنته بالمرض قبل ست سنوات، عندما كانت في الثانية من عمرها، رافقها في فترة علاجية طويلة حتى شُفيت، وقد بادر إلى تأسيس الجمعية منذ عامين، واضعا أهدافا نبيلة نصب عينيه، أهمها التخفيف عن المرضى وذويهم ومساعدتهم في مجالات شتى، ومساعدة المرضى على الاندماج في الحياة الاجتماعية، وفقا لمعايير تقبل الآخر وضمان العيش بكرامة.
تنظم الجمعية برامج ومبادرات لتعزيز الثقة في النفس وتنمية المهارات الحياتية، وتقيم نشاطات تثقيفية وترفيهية، مثل الرحلات وأعياد ميلاد للمرضى ومحاضرات، وغيرها.
كذلك تقدم الإرشاد الحقوقي للمرضى وذويهم، فثمة حقوق قانونية لمرضى السرطان وأسرهم، كذلك محاولة تحقيق أحلام بعضهم. أحد الشبان المرضى كان حلمه بأن يكون مشغل أسطوانات (DJ) في الأفراح، وقد ساعدوه في اقتناء العتاد، وبالفعل صار مطلوبا جدا في الأفراح.
هنالك تجارب كثيرة تعتبر بطولية في مواجهة المرض، ولا يتسع لها سوى رواية أو قصة طويلة، من نوع «النوفيلا».
بعد لقاء كهذا، تشعر بأمر قد يغيب عن بالك لفترات طويلة، وهو قيمة أن تعيش أيامك بدون مفاجآت مَرضــــية، قيل «الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضـــــى»، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أصبح منكم آمـــنا فـــي ســــربه معـــافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنّما حيزت له الدنيا بحذافيرها». أتمنى الصحة للجميع والصمود والشفاء لجميع أحبائنا المرضى.


www.deyaralnagab.com