logo
الفتاة العربية حررتها القوانين وكبلتها الثقافة المجتمعية المحافظة !!
بقلم :  شيرين الديدامونى  ... 09.08.2015

عندما يتطرق الحديث لأوضاع المرأة العربية في مجتمعاتها المحلية، والمشاكل التي تواجهها داخل هذه المجتمعات، لا يمكن الخروج بنتيجة صحيحة وثابتة من النظرة الأولى، نظرا لطبيعة العلاقة المليئة بالالتباسات بين المرأة ومحيطها الأسري والاجتماعي، في المقابل لا تزال العديد من الجهات المعنية بالمرأة العربية وحقوقها تبذل جهودها الحثيثة لدعمها وتعزيز حصول النساء في كل الدول العربية على حقوقهن المشروعة بموجب الأديان والقوانين.
منظمة المرأة العربية، نجحت في إقامة الملتقى الأول للفتاة العربية في القاهرة، بمشاركة وفود من 18 دولة عربية بالتعاون مع وزارة الشباب والرياضة المصرية. وسيوجه الملتقى فور انتهاء أشغاله دعوة للحكومات العربية للنظر في تجنيد النساء، إلى جانب مساعيه في حث الفتيات المشاركات لمطالبة دولهن بتعديل المناهج الدراسية العقيمة، حتى تساعد المرأة العربية على الخروج من خندق الانغلاق والتهميش الذي يحاصرها منذ عقود.
مطالبة الحكومات العربية بأن تتضمن المناهج التعليمية الجديدة إبراز دور المرأة في حماية القيم الوطنية والدفاع عن استقرار بلدها، بالإضافة إلى مطالبة الإعلام العربي بتناول قضايا المرأة بصورة دقيقة، يصبّ كله في اتجاه تكوين رأي عام يتفهم دور المرأة في تعزيز الأمن القومي، ويدفعه إلى إلقاء المزيد من الضوء على معاناة النساء في الدول التي تحولت أراضيها إلى ساحات للحروب.
الملتقى الأول من نوعه الذي يهتم بقضايا الفتاة العربية يأتي بعد تأكيد الدراسات البحثية على أن أوضاع المرأة في العالم العربي لا تزال تواجه تحديات كبيرة، رغم ما تم إنجازه عن طريق تحقيق اندماج المرأة في المجتمع، فهناك فجوة كبيرة بين تشريعات تنصف المرأة وموروثات وتقاليد بالية تحول دون تطبيقها، بحسب ما أوضحت د. سامية خضر أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس لـ”العرب”.
وقالت خضر إن نظرة المرأة لنفسها ومفهوم الذات لديها، هو التحدي الأكبر الذى يواجه الفتاة العربية، ولكى تنجح مثل هذه التظاهرات والندوات المنظمة من قبل المجتمع المدني ومنظماته في تحقيق نتائجها، من الضروري أن تحدد كل فتاة رؤيتها لنفسها ولذاتها، وتبحث في قناعاتها بأنها إنسان كامل الأهلية في المجتمع، ومن ثمة كامل الحقوق أم لا؟
الفتاة المقتنعة بنفسها ستكون حريصة على دورها وتعمل على الحفاظ على المكتسبات، بل وتزيدها بمعنى إصلاح المرأة داخليا، أما المرأة التي لا تقدّر نفسها ولا تقدّر دورها المجتمعي سوف تظل تعاني من نوع من الإعاقة والشعور بالنقص مقارنة بالآخر حتى لو أنصفتها القوانين، فنظرة المرأة لذاتها وثقتها بنفسها من عدمها هي التي تقف وراء فشل أو نجاح القوانين في حال تطبيقها.
وطالبت خضر بضرورة تحرير المرأة وبالتالي الفتاة العربية من الأحادية والكهنوتية والوصاية الدينية عن طريق تصحيح المفاهيم الاجتماعية التي تعتبر الخطاب الديني الشائع في المجتمع مقدسا ولا يقبل النقاش.
حقوق المرأة والأمن القومي
المرأة العربية حصلت خلال العقود الأربعة الأخيرة على أكثر ممّا كانت تحلم به تقريبا في العديد من المجتمعات العربية المحافظة، ويبدو أنها حصلت كذلك على شيء من الإنصاف في القوانين والدساتير العربية، بما عزّز تواجدها الفعال في عدد من البنى الأساسية في بلدها مثل المجتمع والاقتصاد والوظائف العليا، بينما لا تزال تجاهد لإثبات وجودها والحصول على مزيد من الحقوق في بنى ومجالات أخرى، وتأتي السياسة على رأسها حيث لا تزال المرأة العربية فيها تراوح مكانها.
سميرة علي باحثة سياسية انضمت حديثا لـ”شبكة أصدقاء منظمة المرأة العربية”، أوضحت لـ”العرب” أنه من الضروري العمل على تكريس مفهوم الأمن القومي، الذي يتسع للأبعاد الاجتماعية والإنسانية جنباً إلى جنب مع الأبعاد العسكرية والاقتصادية والسياسية في نفس الوقت، من خلال حثّ المجتمع على بذل جهود إضافية لتأهيل وتمكين الفتيات في المجالات كافة، وتشجيع المسوح والإحصاءات التي تكشف التمييز ضد المرأة، ووضع تقديرات اقتصادية للخسائر التي تتحملها المجتمعات جراء تهميشها لعنصر فاعل.
شعار “مشاركة-تنمية-إبداع” جمع حوالي 200 فتاة يمثّلن 18 دولة عربية تتراوح أعمارهن بين 18 و 35 عاما، لكل منهن تجارب وخبرات في المبادرات النسائية وخدمة المجتمع لذلك فمن الأهمية بمكان توعيتهن بأهمية القيام بمبادرات شبابية تهدف لخدمة قضايا التنمية في الوطن العربي، وتنمية الروابط بين فتياته ودعمهن في ظل الأحداث المأساوية والتحديات المستمرة التي تمر بها الفتاة العربية خاصة في الدول التي تشهد حروبا ونزاعات مسلحة.
أوضحت هايدي إسماعيل الناشطة الحقوقية وإحدى المشاركات في الملتقى لـ”العرب”، أن الجميع يسعى لتشجيع وخلق فرص للتعاون بين الفتيات العربيات في مجالات عديدة خاصة منها في قطاع العمل المدني والتمكّن من آليات صنع المبادرات التطوعية، بالإضافة إلى التعرف على أساليب مواجهة التحديات التي تواجه الفتاة، عبر الانضمام إلى منظمات وجمعيات المجتمع المدني مثل “شبكة أصدقاء منظمة المرأة العربية”، التي أنشأتها المنظمة مؤخرا كمشروع اجتماعي، من أجل الاستثمار في الشباب العربي لتحقيق تغيير إيجابي في الثقافة المجتمعية المتعلقة بالمرأة، وفتح آفاق جديدة لتفعيل وجودها في المجتمعات العربية.
استراتيجية الصيد والسمكة
هناك حكمة عربية قديمة تقول “لا تعطني سمكة، لكن علمني كيف أصطاد” دلالة على أن التعليم أهمّ وأبقى أثرا من كل ما هو جاهز مسبقا، ووفق هذا المفهوم بنت منظمة المرأة العربية استراتيجية ملتقاها الأول للفتاة العربية، حيث ركّزت فعالياته على بناء قاعدة من الفتيات في الدول الأعضاء، واعتبارهن نواة لإعداد قادة في العمل المجتمعي يساندون رسالة المنظمة، ويقومون بتوعية الشباب العربي بأهمية ومحورية دور المرأة في المجتمع، ورفع حسّ المسؤولية المجتمعية وتثبيت الهوية القومية العربية لدى الشباب، من خلال تعميق روح الانتماء للوطن وقضاياه واحتياجاته، وتعزيز قيم المواطنة.
هذه الاستراتيجية تحدثت عنها السفيرة ميرفت التلاوي (مدير عام منظمة المرأة العربية) بقولها إنها بداية الطريق لخلق جيل واع لا يميز بين المرأة والرجل، فمشاركة الفتاة العربية في تحقيق أهدافها من شأنها أن ترتقي بالمجتمع العربي كافة، ولن يتحقق ذلك إلا بإعداد قيادات شبابية جديدة وإتاحة الفرصة للشباب العربي للتعبير عن رأيه، وإنشاء قاعدة من الشباب لتقوية الشعور بالعروبة والتضامن العربي في الأجيال الجديدة، لتفادى أخطاء الماضي.
وأضافت التلاوي أن المرأة تمثّل نصف الموارد البشرية، ولا يمكن للمجتمع العربي تحقيق أهدافه دون تشريكها فعليا، لذلك لا بد من تغيير الثقافات والأفكار البالية، وطالبت الفتيات المشاركات بالملتقى أن يصبحن سفيرات للمنظمة في بلدانهن لنشر ثقافة التسامح والقضاء على التمييز.
التنمية تبحث عن المرأة
إدراك الفتاة العربية لأولوية قضايا الثقافة المجتمعية السائدة في المنطقة العربية بات ضروريا وعاجلا، لأن هذه الثقافة غالبا ما تغبن المرأة العربية حقها المشروع في المشاركة مع الرجل في عملية تنمية مجتمعاتها ليس فقط كمستفيدة من مخرجات عملية التنمية، لكن أيضا كعنصر فاعل ومدخل رئيسي من مدخلات هذه العملية.
هذا ما أكدته آية ماهر أستاذة الموارد البشرية لـ”العرب” بقولها إنه لا بد من وضع المرأة العربية في قلب عملية التنمية في الوطن العربي، وانطلاقا من التنمية المجتمعية الحقيقية التي لا يمكن أن تتحقق دون تطوير حقيقي للمرأة، وتحسين فعلي للظروف المعيشية التي تحيط بها، من أجل مستقبل أفضل للأجيال العربية القادمة.
التمييز الاجتماعي والثقافي ضد المرأة من أهم القضايا التي تترك آثارها السلبية على صورة المرأة في المجتمع العربي، حيث تقف الصورة النمطية السلبية حائلاً دون توظيف قدرات المرأة ومهاراتها في مشاركة الرجل لتحديث المجتمع في كافة المجالات.
وقال عادل عبدالغفار عميد كلية الإعلام بجامعة بنى سويف لـ”العرب” أن مصادر التمييز ضد المرأة متعددة، وفى مقدمتها الموروثات الشعبية التي تؤيد التمييز والمتمثلة في بعض ما يتضمنه الأدب الشعبي و”الحواديت” والأغاني والموسيقى والرقص والحرف الشعبية وغيرها من أشكال الفن الشعبي، لكن ليس كله ، بل بعض أنواعه التي ترسخ أفكار التمييز.
وأثار عبدالغفار في بحثه بعنوان “الإعلام وقضايا المرأة العربية بين الواقع والمأمول” أن الإعلام يمثل بقنواته المختلفة مصدراً أساسيا من مصادر التمييز، بما يقدمه من مضمون ينحاز في مجمله ضد المرأة، لا سيما في الأعمال الدرامية التي تظهر النساء فيها عبر قالب نمطي يغلب عليه الطـابع السلبى، فهي عاطفية طوال الوقت، ولا تستخدم عقلها بشكل راجح، وترتبط دائماً بالمنزل، دون إشارة إلى نجاحها في ميادين العمل المختلفة، وخاضعة للرجل لا تشاركه في اتخاذ القرارات، إضافة إلى عدم مساواتها به في الحقوق والواجبات، وعدم التوازن في علاقتها بالرجل.
إن تصحيح صورة المرأة لن يكون إلا بمواجهة العادات والتقاليد والأعراف والموروثات الثقافية التي تعيق عملها، والحل في نظر أستاذ الإعلام يتمثل في تحديث منظومة القيم التي تحكم تفكير المرأة العربية بما يضمن سرعة تكيفها وتجاوبها مع متغيرات العصر الراهنة، والتجاوب مع احتمالات وسيناريوهات المستقبل، وتكثيف الجهود الخاصة بتنمية وعي الإعلاميين وكتاب الدراما لتقديم صورة صادقة، تعكس النجاح الذي حققته المرأة العربية في ميادين العمـل المختلفة، من خلال تقديم نماذج نسائية ناجحة فعلا على المستوى المحلي والعالمي، لخلق الحافز لتحقيق المزيد من النجاح على مستوى تحقيق ذات المرأة.
وفي الجانب السياسي، طالب عبدالغفار بضرورة تنمية الوعي السياسي للمرأة من خلال تعريفها بحقوقها وواجباتها السياسية، ودعمها في مختلف المجالات، بالإضافة إلى أنّ تسليط الضوء على المساهمات السياسية الناجحة للمرأة في دول أخرى من العالم سيكون محفزاً قويا لدفع الفتيات العربيات للمشاركة السياسية وإبراز قدراتهن في خدمة الدولة والمجتمع.
المناقشات المباشرة بين الفتيات بدلا من الاعتماد فقط على مواقع التواصل الاجتماعي تحقق نتائج فعالة على أرض الواقع، هذا ما أوضحته الفنانة المصرية ليلي علوي التي شاركت بصفتها “سيدة أعمال” وعضو في غرفة صناعة السينما، مؤكدة على أن مثل هذه الملتقيات الهادفة لجمع الشمل العربي، بداية حقيقية لخلق نوع من التعاون والمشاركة بين الثقافات العربية المختلفة، وخلق حالة تعاونية تنعكس على نهضة وثقافة المجتمع العربي بشكل عام، من خلال الاندماج الفعال في المجتمع.
وتمنت الفنانة المصرية أن تستطيع الفتيات العربيات استكمال مسيرة الرائدات السابقات، مؤكدة أنها على ثقة كاملة بأن الشباب هم المستقبل الحقيقي للمجتمعات وثروته أيضا، وتجب مساعدتهم وتسليحهم بكل الخبرات والثقافات اللازمة لحمايتهم من جميع الأفكار الهدامة.

المصدر : العرب

www.deyaralnagab.com