logo
تبدل الأدوار يكبل المرأة العربية بالمزيد من القيود المعنوية !!
بقلم : شيرين الديداموني ... 15.10.2018

سعت قطاعات نسوية ومنظمات حقوقية كثيرة في العالم العربي إلى كسر الهالة التي تحيط بالرجل، وباتت أحلام البعض تقتصر على تحجيمه وتناست المرأة أن ذلك ربما يؤثر عليها كأنثى لطيفة، وربما تتخلى مجبرة عن كونها سيدة، وتلجأ أحيانا إلى استخدام الخشونة المادية أو المعنوية للتأكيد أنها يمكن أن تكون “سي السيد أيضا”.
القاهرة - لدي الكثير من العضلات كالرجل، ويمكنني أن أعمل كثيرا كما يفعل.. أستطيع أن أحمل أوزانا أيضا.. ألست امرأة؟ لكني قوية مثله، الآن يجب عليكم ألا تخافوا من منحنا حقوقنا، فإذا قامت امرأة بإفساد العالم، أعطوها فرصة أخرى لإعادة ترتيب الأمور”.. تلك الكلمات كانت من الخطاب المشهور “ألست امرأة؟”، من أوائل النصوص التي نادت بالنظر في معاناة النساء وألقته سوجورنر تروث المناضلة الأميركية الحقوقية.
المفارقة أن ما قالته عام 1851 يكاد يصف علاقة الملايين من النساء العرب بمجتمعاتهن حاليا، والأهم علاقتهن بشركائهن من الذكور، فبعضهن ظهرت عضلاتهن، وأخريات يحملن ما لا يحتمله رجال أقوياء.
تحققت بعد مرور أكثر من قرن ونصف القرن مطالب كثيرة لما نادت به تروث، وظهر في العقدين الأخيرين مصطلح “امرأة قوية ومستقلة”، بين السيدات العربيات، ورددته صغيرات عند التعبير عن أمنياتهن المستقبلية، فهي الصورة التي وجدن عليها أمهاتهن بعدما تبدلت الأدوار بين الرجل والمرأة وصارت الأخيرة رجلا في الدور والصفة بالنسبة للمحيطين بها وحملت لقب “سوبر ماما” كبديل للشخصية “سوبر مان”.
هناك محاولات دؤوبة من بعض النساء للاستقلالية عن الرجل، ففي السعودية انطلقت حملة “أنا ولية أمري”، التي قادتها الناشطة آلاء سعيد آل شبر، للمطالبة بإسقاط الولاية عن النساء، فالمشكلة بالنسبة لها ولرفيقاتها أن المرأة في المملكة متساوية مع الرجل في العقوبات فقط دون الحقوق، وبالمثل تناقلت سيدات إماراتيات هاشتاغا للتخلص من ولاية الرجل عليهن.
لم يتوقف الأمر عند المطالبة برفع الولاية بل تعدينها لاستلابها من الرجال، وانتشرت في بعض الدول العربية ظاهرة “عصمة المرأة” كشرط أساسي لإتمام الزواج، خاصة في الدول التي خاضت حروبا، وتشير الإحصائيات إلى أن هناك أكثر من 400 ألف سيدة يحتفظن بالعصمة في أيديهن، ليحصنّ أنفسهن من غدر الرجال، ومن المتوقع أن تتضاعف أعدادهن في السنوات المقبلة أو تتحول إلى حق قانوني لهن. وفي مصر أعد عضو بالبرلمان مشروع قانون “لتنظيم عمل المأذونين” يجيز للمرأة تطليق نفسها من الزوج، كتبادل قانوني للأدوار.
وتتواصل الحملات من أجل إنصاف النساء ومساعدتهن على نيل أدوار في المجتمع كالرجل، لكن السؤال المهم هل النساء راضيات وسعيدات بما تحصلن عليه، وهل تبدل الأدوار في الحيّز العام، قابله تغير للأدوار داخل المنزل، أم كانت قيودا جديدة كبلتهن وفاقمت الأعباء الملقاة على كواهلهن؟
*نهايات موجعة
حتى وقت قريب كان المنزل عالم ثابت للمرأة، أو كما تقول الجدات، “مملكة” للمرأة، أما الشارع فهو مملكة الرجال، ولم يكن أحدهما يستطيع الاستغناء عن الآخر، فالزوج لا يتحمّل غياب المرأة عنه، وبالمثل هي حيث كان الرجل يمثل لها الحماية والأمان. الآن تبدل كل شيء وانقلبت الموازين لتختلف معايير القوامة بين الجنسين، وسادت صورة للمرأة العربية تخالف ما كان سائدا في الماضي.
وقالت مروة عبدالقادر إنها عندما كانت في الثامنة عشرة من عمرها تجاوبت مع الشعارات الرنانة بضرورة أن تكون امرأة مستقلة ماديا وتحقق ذاتها، وكانت تشعر بالسعادة وهي تتنقل بين المحافظات لتوعية الفتيات بضرورة استقلالهن.
واستطاعت عبدالقادر وهي طالبة أن تعتمد على نفسها في كل شيء، فكانت تحصل على مبالغ مالية من بعض المنظمات تكفي مصروفاتها الشخصية، وتظاهرت بالقوة لمواجهة الضغوط والتحديات المحيطة بها رغم طبيعتها الناعمة.
وتخرجت من كلية الهندسة لتتحول إلى امرأة عاملة مستقلة، وبعد الزواج والإنجاب اكتشفت أن الأعباء التي ألقيت عليها تحت شعار المساواة وتبادل الأدوار، عقاب وليس مكافأة، وطالما شغل تفكيرها سؤال لم تجد له إجابة على مدار السنوات الماضية، هل تكبدت النساء كل الحروب ضد المجتمعات الذكورية لتحقيق مطالبهن دون دراسة لما يترتب عليها من إجحاف وظلم لهن؟ وما حال النسوة اللواتي لم يخترن هذا الاستقلال أو يطالبن به وأجبرتهن ظروف الحياة على تحمل جميع الأعباء والمسؤوليات؟
وقالت عبدالقادر لـ”العرب” إنها تنهي عملها الساعة الرابعة عصرا وعليها أن تقوم بواجباتها المنزلية والاهتمام بأطفالها، وعليها أن تؤدي مهامها الزوجية مع رجل لا يتنازل عن حقوقه في علاقتهما الحميمة تحت أي ظرف، وتخصص نهاية الأسبوع لتوفير احتياجاتها المنزلية أو صيانة سيارتها، وفي ظل ارتفاع الأسعار، لا تنفق من راتبها الشهري على نفسها بل ينفق كله لسد باقي احتياجات الأسرة، عكس زوجها الذي يدخر من راتبه.
واعتبرت ما يحدث مؤامرة ذكوريّة على النساء، والمساواة المطلوبة تعود على المرأة بالمزيد من الخسائر وأنها لم ولن تتحقق، فالمساواة بالنسبة لها هي التحرر من كافة المسؤوليات التي أثقلت كاهلها.
وتمنت أن تكون مثل الرجل، تسهر مع صديقاتها في النادي الاجتماعي وتعود إلى المنزل وتجد طعامها جاهزا مع كوب شاي ساخن وهي جالسة على أريكتها المفضلة، ثم تذهب لتنام دون مطالب. لكن المرأة الآن مقيدة وتقوم بدورها ودور زوجها ولا تستطيع التوقف عن الدوران كي تستمر الحياة، وأنهت كلامها قائلة “لا أريد أن أكون امرأة قوية العضلات، إنما أريد أن أكون سيدة وكفى”.
وتشابهت حالة عبدالقادر مع حالات كثيرة لنساء رصدتها “العرب” كلفهن تبادل الأدوار مع الرجل التنازل عن أهم ما منحته الحياة لهن وهي “أنوثتهن”، فارتضين تحمل ضغوط العمل إلى جانب مسؤولياتهن المنزلية الثقيلة، لا لشيء سوى للتخلص من فكرة جلد الذات وأنهن لم يتنازلن عن مكتسباتهن.
زوجات كثيرات تنصل أزواجهن من المسؤولية تجاههن وتجاه الأسرة فاضطررن إلى أن يأخذن مكانهم، ومطلقات لم يتكيفن مع وضع خاطئ أو زيجات فاشلة لا ترضيهن فاستقللن بأبنائهن ماديا، وأرامل فقدن أزواجهن فوقفن أمام واقع بائس وجمعن بين واجبات الأم والأب، وهناك عازبات أجبرتهن الظروف على مسؤوليات كثيرة.
وأكدت إحداهن وتدعى أمل لـ”العرب” أنه إذا كانت المرأة غير مضطرة إلى مثل هذه الحياة، فعليها ألا تحارب لأن تعيشها، ولا تتحمل مسؤوليات أكثر من طاقتها أو تعرض نفسها لضغوط ومشاكل، وإنما عليها أن تستمتع بالحياة التي تكون أفضل كلما كانت الضغوط قليلة.
وذكّرت أمل النساء بروايات رسمت واقعا مؤلما للمرأة التي تبدلت أدوارها مع الرجل دون نهاية سعيدة، منها رواية “بيت الدمية” للكاتب هنريك إبسن، التي دارت أحداثها حول امرأة لطيفة وديعة محبة، كافحت كثيرا من أجل منزلها وزوجها. لكنها اكتشفت أنه يستغلها لتسديد ديونه، وكانت تتوقع وقوفه إلى جانبها وتقديره لتضحياتها، ليأتي اليوم الذي قالت له “سأغادر البيت الآن”، وحين توسل إليها، أجابته “أريد أن أعرف من أنا”.
بعدما تبدلت الأدوار الاجتماعية التقليدية للزوجين وتخلى الرجل عن مسؤولياته وصارت المرأة معيلة الأسرة اتكل الزوج عليها في كل شيء وظهر مقابل كل امرأة قوية مستقلة رجل “لا مسؤول”.
*الاستقلالية هامة للمرأةالاستقلالية هامة للمرأة
عاشت لبني سليم، مديرة فرع لأحد البنوك الأجنبية، معاناة يومية بسبب شجارها مع زوجها بعد أن أصبحت فجأة العائل الوحيد للأسرة ما ملأ حياتها بالتوتر، بسبب ترك زوجها لعمله، ورفضه البحث عن عمل جديدة.
اعتمد الزوج على عملها وكان يأخذ جزءا من راتبها لنفقاته الخاصة، دون أن يفكر في مسؤوليات المنزل أو أبنائه الثلاثة، وغدت أجمل أوقات الزوج هي التي تغيب فيها الزوجة عن البيت وتذهب للعمل. وطلبت الطلاق من زوجها لكنه رفض واستقوى عليها، وهددها بأنه سيفضحها في مكان عملها وينشر بين صديقاتها أنها على علاقة برجل آخر.
وأكدت آية ماهر، أستاذة الموارد البشرية بالجامعة الألمانية في القاهرة، لـ”العرب” أن تغير الوضع الاقتصادي وانتشار البطالة تسببا في تهاوي القوامة المادية للرجل، وحدث تبادل للأدوار، فهناك أزواج انسحبوا وتواروا عن الأنظار، وتركوا المجداف للمرأة لكي تبحر بالأسرة.
وأشارت إلى أن هناك دراسة أكدت أن تبادل الأدوار التقليدية يتسبب في سخط الطرفين، فالمرأة المعيلة للأسرة بعملها تزيد احتمال إصابتها بالكآبة، والعكس صحيح بالنسبة للرجل الذي يكون سعيدا حين ينهض بمهمة إعالة الأسرة، ويكون مصدر دخلها الرئيسي.
ووجد باحثون أن سعادة الرجل تناقصت فور خروجه من سوق العمل ليكون مسؤولا عن شؤون المنزل وينهض بالأعباء التي تتولاها تقليديا ربة البيت، لكن لم يحدث هذا مع المرأة ولم يتأثر وضعها النفسي نحو الأسوأ نتيجة تركها الوظيفة لتصبح أما تلازم البيت لإدارة شؤونه ورعاية الأطفال.
وأوضحت رشا عبدالحكيم، استشارية الأمراض النفسية، أن تراكم الأدوار على المرأة جعلها رجلا في جسد أنثوي، فقسوة الضغوط وإهمالها عاطفيا واتكالية الرجل عليها أفقدتها نعومتها في التعامل معه.
وأكدت عبدالحكيم لـ”العرب” أن هناك نساء ترددن عليها ظهرت عليهن علامات الرجولة، بعد ارتفاع نسبة هرمون الذكورة لديهن، مثل ظهور شعر الذقن والعضلات والصوت الخشن، وهو أمر خطير يشير إلى اضطرابهن نفسيا نتيجة للدور الذي يؤدينه، وتعاملت الطبيبة معهن بشكل سريع بالأدوية وليس بالجلسات خوفا من تدهور حالتهن.
الأخطر من ذلك أن الأمر يترك آثارا سلبية على العلاقة الحميمة بين الزوجين، فحينما تنقلب الأدوار تهتز صورة الرجل عند المرأة، وهذا يؤثر على أداء الرجل سيكولوجيا، ويجعله يفرض رغباته على زوجته بشكل مستمر، خوفا من فرض تصوّرها لحياة جنسيّة تختارها بنفسها.
ويتكيف الزوج مع فكرة أن تكون المرأة رجل البيت، وفي عقله الباطن ردود فعل عنيفة تجاه زوجته، بسبب فقدانه امتيازاته الطبيعية، وعلى الرغم من تبدل الأدوار وخسارته لسلطته المعنوية سيعوّضه إخضاعها لإرادته ورغباته الجنسية للتنفيس عن إحباطه. وقد يتجاوز تبدل الأدوار الفتور الجنسي إلى الخيانة.
*إنصاف ذكورية
يقر فاتح، عسكري جزائري متقاعد، بأن ضغوط الحياة الاجتماعية في البلاد، ودور المرأة في التكفل الحقيقي بأعباء الأسرة في الكثير من الحالات، يدفعان باتجاه إعادة ترتيب الأوراق والأولويات بين المرأة والرجل في مسألة الوصاية وحتى العصمة، لأن الدور الذي تقوم به في سبيل تربية وإعالة أفراد أسرتها، بات يحتم على المجتمع إنصافها والاعتراف لها بقدرتها على امتلاك مأمورية الأسرة، خاصة إذا كان الزوج غير قادر على القيام بمهامه.
وذكر فاتح في تصريح لـ”العرب” أن “الذهنية الذكورية في المجتمع الجزائري لا تزال تمارس الجحود تجاه المرأة في هذا المجال، رغم أن الوقائع والاعترافات واسعة النطاق، وأن نوعا من التجاهل العمدي يلف المسألة، فالكثير من العائلات تكون الزوجة والأم فيها هي محور الأسرة، بسبب شخصيتها وتأثيرها على أفرادها، وحسن تدبيرها وإدارتها لشؤون البيت، مما يجعلها وصية في الواقع لكن بصفة غير معلنة”.
وأضاف “الواقع لا يجب إنكاره، فهناك من الرجال من لا يحملون من الرجولة إلا الذكورة، ولولا سند الأم أو الزوجة، لكانوا مشاريع اجتماعية فاشلة، وأن النساء هن من يقع عليهن عبء العائلة، سواء بالتربية أو الإدارة والتصرف، أو توفير الحاجيات اليومية، لكن لا يعترف لهن بشكل رسمي بالوصاية”.
ويسلم فضيل سعودي، إمام بضاحية بوفاريك بالعاصمة الجزائرية، بانطواء المجتمع على هذه الظاهرة التي تكون المرأة فيها هي الوصية على العائلة لسبب من الأسباب، لكنه غير معترف بها، ومع ذلك يدرجها في خانة الأحكام الفقهية وما يعرف بقوامة الرجل، ويشدد على أن الدين الإسلامي عالج المسائل التي يكون فيها التقصير من الرجل أو عدم قدرته على تحمل مسؤوليات العائلة. وأكد في رده على استفسارات “العرب” أن “الإسلام كرم المرأة وشرّع بأحكامه للمجتمع الإسلامي، وأن الفرق شاسع بين الوصاية والعصمة، ولا يهم المرأة أن تكون وصية على الورق، لأن وصايتها أزلية في تربية وبناء الأجيال والمجتمعات، ولا يمكن لأحد إنكار ذلك، بينما العصمة هي حكمة إلهية قدرها الله عز وجل”.
وترى بهية، أستاذة تعليم ثانوي جزائرية، المسألة من زاوية التضامن الأسري وتضافر الجهود لتربية وتنشئة الأبناء، والمهم بالنسبة لها هو إخلاص النوايا، لأن الحديث عن أولوية الوصاية والعصمة بين المرأة والرجل سيجر المجتمع إلى جدل مزمن وإلى أزمات ليست في الحسبان، ولو أن هناك من الحالات ما يتوجب على المشرع ومؤسسات الدولة الحسم فيها، لأن الضرر واضح على المرأة التي تتحول إلى مناضلة من أجل أسرتها، ومجبرة على التنازل للرجل، تقديسا للدين والتقاليد الاجتماعية ونظرة المحيط. وتحاول تونس الاعتراف بجهود التونسيات من خلال سن مجموعة من القوانين تصب في صالحهن إذ لا تزال إلى الآن تبحث عن سبل حماية المرأة حيث وضعت جملة من القرارات من بينها إتاحة تسجيل المولود بلقب الأم ضمن مجموعة من القوانين قيد الدراسة.

* المصدر : العرب

www.deyaralnagab.com