logo
هل سيخترعون لقاحاً ضد «الإرهاب»؟!
بقلم : سهيل كيوان  ... 11.12.2014

فجأة انتبهت البشرية وضمنها العرب وقررت الوقوف صفا واحدا في مواجهة «الإرهاب»، مثلما تقف موحدة في مواجهة (الإيبولا) والسرطان والملاريا. «الإرهاب» مرض معد كالأمراض الخطيرة الأخرى، ولا بد من الوصول إلى لقاح ينجي البشرية من شرّه، ولهذا يقوم علماء من كل أجناس البشر بأبحاث علمية مكثفة لاكتشاف علاج لهذا المرض القاتل، ويركز العلماء طاقاتهم وجهودهم ويصلون الليل بالنهار أملا في الوصول إلى لقاح بأسرع ما يمكن، ويقولون إنهم باتوا مدركين لمصادر هذا المرض الرهيب وبيئته، وإذا كان مصدر (الإيبولا) هو أفريقيا والقردة والخفافيش، فـ «الإرهاب» مصدره المسلمون، ويوجد مسلمون مصابون بالجرثومة، ومنهم من لم يصب بعد، ولكنه جاهز وراثيا لتقبل المرض.
«الإرهاب» لا ينتقل عن طريق اللمس أو ممارسة الجنس أو القبلات، فهو أرقى بكثير، ينتقل عن طرق حاستي السمع والبصر والمشاعر، قد ينتقل إليك وأنت في فراشك عن طريق فضائية تشاهدها وتسمعها، أوعن طريق جهاز الهاتف الذي قد يبث لك صورة وأصواتا عن ظلم فظيع يمارسه نظام غاشم، فتصاب بحمى «إرهابية» حتى دون أن تشعر بذلك.
من أعراض المرض «التكبير» و (الحمدلة) و (البسملة) و (الحوقلة) و (الحيعله)، فإذا بلغت (الحيجدة)، أي «حي على الجهاد»، تكون الجرثومة قد تمكنت من المصاب، ولن يجدي معها شيء، ولهذا توجد جهود كبيرة لمنع «التكبيرات» في فلسطين مثلا، ويجري اعتقال من يكبّر في مكان عام، وتبذل جهود قانونية لتحريم «التكبير» في الأمكنة العامة لأنها تثير هلع الناس الآمنين، نداءات «الله أكبر..الله أكبر» مهما بلغت من الرقة والحنان ولو كان صوت بلال، فهي تنزل مثل قذيفة نصف طن حين تسقط على رؤوس النساء والأطفال والرجال وتجهض الحوامل رعبا..
الإنسان (المرهوب) أي المصاب بـ «الإرهاب» لا يقيم وزنا لحياة البشر ولا لحياته هو نفسه، فهو يعتقد بأن الحياة لم تعد صالحة لأحد، لأنه حرم من حياة شريفة كريمة يبادر لإنهائها بسرعة ولكنه يريد حرمان غيره منها، لأنه فقد القدرة على تحملها، فـ «المرهوب» يشعر بظلم شديد يقف عاجزا عن مواجهته في الطرق القانونية أو حتى بطرق الفساد والتوسل والتسوّل والواسطات، ويوما بعد يوم تنهار مناعته الفكرية والنفسية بتفاقم الظلم، وفجأة تحدث الطفرة، فتصبح لديه رغبة شديدة في التدمير الذاتي، وبما أنه يدرك سبب مرضه، فهو يحاول قتل نفسه وقتل من أوصله إلى هذه الحالة وسبب مرضه.
فلسطين كانت بؤرة قديمة من بؤر «الإرهاب» وملهمة له، والمسنون يذكرون أنه في الثلاثينات من القرن الماضي ظهر «الإرهاب» في كل مكان في فلسطين وحصد الكثيرين، واستمر في صعود وهبوط حتى يومنا هذا، لأن أسبابه لم تستأصل بعد، فالظلم ما زال مستمرا بل ويتفاقم، حتى صار «الإرهاب» جزءا من التكوين الفكري والنفسي لأهل فلسطين مثل التين والزيتون والبامية، فعندما يجري عدوان على زيتون الفلسطيني وقتل من يغرس شتلة زيتون منهم كما حدث لزياد أبو عين رئيس هيئة مقاومة الجدار يوم أمس الإربعاء، حينئذ يشعر الفلسطيني بالظلم صارخا حتى السماء، «أيوب صاح اليوم ملء السماء» بتعبير درويش، هكذا تصبح الإصابة بعدوى «الإرهاب» واردة جدا.
إلا أن هناك أبحاثا موضوعية تقول إن وباء «الإرهاب» ليس إسلامي المنبت، فقد عرفته أوروبا، بل ويا للعجب فقد كان علمانيا بلا أساس ديني أصلا، كان أساسه فلسفات ومنطلقات أيديولوجية وضعية، ولكنه انتشر حيث كانت السلطة إرهابية قامعة بدورها تضع قوانين تلائم مصالحها فقط دون مراعاة لحقوق بسطاء الشعب ولا حتى إنسانيتهم، فالإرهاب يعيش حيث الظلم، ولهذا لا تعجبوا إذا رأيتم هذه الجرثومة تنتشر في أمريكا بسبب ما يتعرض له أصحاب البشرة القاتمة من قتل على يد الشرطة البيضاء.
ازدهرت جرثومة «الإرهاب» الملحد في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، في إيطاليا وفرنسا وألمانيا واليابان مثل الجيش الأحمر الياباني وبادر ماينهوف وغيرها من إرهابيات كافرة، وهذا يثبت أن جرثومة «الإرهاب» تنمو لدى الكافر والمؤمن على حد سواء، حيث يوجد شعور بالعجز عن مواجهة الظلم الرسمي بالقوانين بغض النظر عن عقيدة الظالمين والمظلومين.
لا يوجد اتفاق على تعريف ما هو «الإرهاب»، فكل يعرفه حسب مصلحته، ومن زاويته، فقد تصنّف سكين مطبخ على حاجز قرب نابلس عملا إرهابيا بينما القنبلة التي تسوي حارة في الأرض في غزة لا تعتبر إرهابا، وقد يعتبر الشهيد زياد أبو عين الذي زرع شتلة زيتون قرب الجدار العنصري شمال رام الله إرهابيا وقاتله جنديا قام بواجبه.
كذلك فإن هدم تمثال زعيم في سوريا يعتبر إرهابا عقوبته قد تصل الإعدام، لأن هدم التمثال يسبب أضرارا نفسية ومعنوية للأمة. كذلك الغارة الإسرائيلية على دمشق قبل أيام تعتبر إرهابا حسب القانون الدولي لأنها تقوّض الصداقة بين الدول، وليس لأي سبب آخر، ومن حق النظام السوري أن يقدم شكوى بهذا الأمر ما دام معنيا بالصداقة أن تستمر (ومن باب الأمل).
الجرثومة «الإرهابية» المعاصرة إسلامية بامتياز، ومثلما توجد مذاهب كثيرة في الإسلام، فلدينا مذاهب كثيرة في «الإرهاب»، وذلك ان الإرهاب الرسمي في بلاد المسلمين منتشر بحدة وبشتى المذاهب، ولا طرق قانونية تنصف الناس، ولهذا فإن البيئة مهيأة لاحتضان الإرهاب بكل مذاهبه.
قبل أيام كنت أعزي بوفاة رجل في البلدة، وأنصت الحضورلشيخ شاب يلقي مواعظه ويكاد يحث على «الإرهاب» وهو يعيد «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ورباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوّكم»..أثناء هذا مال علي رجل في مجلس العزاء وهمس لي «لا بد أن أمثالك مبسوطون للغارة الإسرائيلية على الجيش العربي السوري»!
فجأة شعرت بحرارة غير عادية وتفصدت على جبيني حبيبات عرق، تمنيت لو أستطيع صفعه الآن وخفشه بقدمي في بطنه، يا ربي رحمتك، هل أصابتني جرثومة الإرهاب والعنف بسبب هذا الغبي، كي لي أن أغتبط لإهانة كهذه لكل ما هو عربي… تمالكت نفسي وقلت له وليسمع الجميع..هل توجد إهانة أكبر من إسراع (وليد المعلم) لطمأنة إسرائيل بأن الرد على إرهابها سيكون بالرد على «الإرهابيين» في داخل سوريا؟…


www.deyaralnagab.com