logo
القدس تفضح انحياز أميركا..وبؤس المراهنين عليها
بقلم : رشاد أبوشاور ... 25.12.2017

رهانات قصار النظر على (حياد) أمريكي بين الكيان الصهيوني وفلسطين باءت بالخسران المبين، وبرهنت على الجهل بتكوين أمريكا وتاريخ نشوء أمريكا، وفلسفة نشوئها، وتبريرها لإبادة 117مليون إنسان من الأمم المنكودة الحظ التي كانت تعيش في تلك البلاد المترامية الوادعة المطمئنة قبل نزول أوائل سفن الغزاة على شواطئها، والشروع في عملية الإبادة باسم الرب لشعب ( كنعان) في الأرض ( الموعودة)!!
من أبرز صفات القيادات الفلسطينية أنها لا تقرأ_ اللهم باستثناء التقارير التي ترفعها لها أجهزة النفاق!_ وهي تزدري من يقرأ، وأذكّر بمصطلح( التحشيش الفكري) الذي وصم به كل مثقف ومفكر وصاحب رأي تقليلاً من شأنه.
لو قرأ هؤلاء القادة كتابات ،أقله المفكّر العربي الكبير منير العكش حول إبادات أمريكا للهنود الحمر، وأساليب الخداع التي مارسها رؤساؤهم وقادتهم على أصحاب البلاد الشرعيين، وعلى ( دين) أميركا الرسمي( البروتستنتي)، ولو (وجدوا) الوقت لقراءة كتابه (دولة فلسطينية للهنود الحمر) فلربما عرفوا كيف أبيد أصحاب البلاد، وكيف تمت جرجرة قادتهم من موقع إلى موقع، ومن معزل على معزل، إلى أن حشروا في أماكن مناسبة لإبادتهم نهائيا، بعد عشرات الوعود والاتفاقات التي تنص على منحهم (دولة) ..كان يتم باستمرار نقلها من مكان إلى مكان، كما فعل الوسيط ( النزيه) من بوش الأب، على بوش الإبن، إلى كلينتون، إلى أوباما..إلى ترامب، ناهيك عمّن سلف من رؤساء أميركا الصهاينة.
ترامب الذي بارك القدس كعاصمة للكيان الصهيوني، وطلب من ( القيادات) الفلسطينية الأُسلوية أن تجعل من ( أبوديس) عاصمة لدولتها المأمولة!!
في مجلس الأمن صوتت أمريكا وحدها في مواجهة ( كل) دول المجلس ال14. وفي الجمعية العامة صوتت معها ومع الكيان الصهيوني، كالعادة، ميكرونيزيا ودول ميكروسكوبية تشبهها، أي أن دول العالم رفضت بشبه إجماع قرار ترامب وعربدة أمريكا.
ثم نقل الأمر إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة من جديد تحت عنوان: متحدون من أجل السلام، وهو ما يعني، في حال حصول هذا التوجه على ثلثي الأصوات: رفض قرار ترامب وبقاء القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية، دون إمكانية لفرض القرار بالقوّة!
ركّزت مداخلات الدول المنحازة ضد القرار الترامبي الأمريكي، رغم توجيه إنذار من ممثلة أمريكا، ومن ترامب شخصيا، على كرامة الدول، وأنها لا تباع بالدولارات، وفي مقدمتها العبارة التي ختم بها كلمته ممثل فنزويلا: العالم ليس للبيع..وهو ما شاركه فيه ممثلو: تركيا، وبوليفيا، وباكستان، وسورية، وأندونيسيا، وإيران...
توعدت ممثلة أمريكا، ورئيسها ترامب، والكيان الصهيوني- الذي بات له حضور في بعض دول أفريقيا، أثّرت على بعض الدول فدفعها للتصويت بالامتناع- أي دولة تصوت على القرار ، على اعتبار انه ضد الرئيس ترامب..والذي أعلن : هناك دول تأخذ منا مساعدات بالملايين، وربما بالمليارات وتصوت ضدنا، ولن نقبل بهذا!
ومع ذلك جاءت نتيجة التصويت: مع 128 و9 ضد،والامتناع: 35 ..وبهذا تكون فلسطين قد انتصرت سياسيا، وحظيت بقرار هام رغم كل ما بذلته إدارة أمريكا، والكيان الصهيوني.
هل سيوقف هذا الانتصار السياسي والدبلوماسي زحف الاستيطان التهويدي للقدس الشرقية- وعندي أن القدس واحدة..وهي قلب فلسطين الواحدة – ونهب أرض الضفة الفلسطينية ( في الحقيقة ماتبقّى منها)؟!
و: هل استبدال الوسيط الأمريكي بالأمم المتحدة سيبدّل من الأمر شيئا؟! وما هي القوة بيد الأمم المتحدة التي تمكنها من الفرض على الكيان الصهيوني الكف عن الاستيطان، والتسليم بالقدس الشرقية عاصمة لدول فلسطين على أرض يستوطن فيها أكثر من 700 صهيوني؟!
جوهر سؤالي: هل سنضيّع مزيدا من السنوات في السير وراء الأوهام؟
و: هل المطلوب من شعبنا تقديم المزيد من التضحيات بنفس القيادة التي وقعت على أوسلو، وضيّعت على شعبنا 24 سنة في الرهان على الوسيط ( النزيه) أمريكا؟!
لقد اتخذ الكيان الصهيوني مباشرة بعد إعلان ترامب القدس عاصمة للكيان الصهيوني قرارا ببناء 14 ألف وحدة سكنية جديدة في الضفة، وبعد أيام قرر بناء 3 مستوطنات في الأغوار، وهو بهذا يرسخ وجوده على نهر الأردن،ويخنق منطقة الأغوار، ويحاصر معازل الضفة، ويثبّت قوات احتلاله على نهر الأردن بحيث لا يكون ( للدولة) الفلسطينية حدود مع الأردن!!
فمن سيفرض على هذا العدو المحتل أن ينسحب ويتراجع ويفكك مستوطناته؟!
الأمم المتحدة؟!
أوربة؟!
مسيرة أوسلو أوصلت قضيتنا الفلسطينية إلى الحائط المسدود، وأغرقت شعبنا في معاناة رهيبة مستمرة...
اُذكّر بأن الكونغرس الأميركي في العام 1995 قرر نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، واعترف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني، فهل كانت قيادة أوسلو تراهن على تغيير هذا القرار، أم على إهماله وتحويله إلى حبر على ورق؟! قرار الكونغرس في صلب رؤية أمريكا للكيان الصهيوني، وفي جوهر العلاقة التي تربط أمريكا بالكيان الذي تتبناه عسكريا وسياسيا واقتصاديا وديبوماسيا و( دينيا)، وفقا للتدين الأمريكي الذي أباح للغزاة( الواسب) الأوائل إبادة أصحاب البلاد الأصليين!
من سخروا من شعارات الستينات، نود أن نسألهم: ها أنتم قد هرولتم وراء سراب أمريكا فماذا حققتم لشعبنا؟! أين هي الدولة الفلسطينية؟
هناك من سهّلوا للقيادة الفلسطينية أن تندفع وراء الأوهام، ليتخلصوا من القضية الفلسطينية، وهم جعلوا من القضية الفلسطينية قضية صراع فلسطيني ( إسرائيلي)، وبهذا تخلصوا _ أو هكذا هيء لهم!- من القضية الفلسطينية كقضية عربية أولى بامتياز، تتحمل الأمة مسئولية خوضها والانتصار فيها على عدوها الصهيوني المدعوم أمريكيا، وهو ما يعني مواجهة أمريكا بوضوح، وعلى كافة الصعد، وهو ما سيفضح دائما وباستمرار دول التبعية العربية الرجعية الإقليمية، وفي مقدمتها مملكة آل سعود.
ما فعله ترامب وإدارته وممثلته في الأمم المتحدة أعادنا إلى جوهر الصراع_ لأنه لم تعد هناك إمكانية لدولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية- وهو أن فلسطين صراع وجود لا صراع حدود، وأنها قضية ملايين العرب بامتياز، وأن أمريكا والكيان الصهيوني شيء واحد وعدو واحد، وأن الرجعية العربية بقيادة آل سعود يقفون في صف الأعداء المتآمرين على لفلسطين.
ومع ذلك : فهناك قيادات فلسطينية لن تكف عن اللف والدوران، والسير وراء الأوهام، وستنظر للحراكات الشعبية الفلسطينية، والعربية، وحتى العالمية المتعاطفة مع فلسطين وشعبها المظلوم والرافضة لعنجهية أمريكا والكيان الصهيوني.. كفعل تكتيكي يمكن استخدامه لتحسين أوراقها في مواصلة عملية ومسيرة السلام!!!


www.deyaralnagab.com