logo
فلسطين والذاكرة الجريحة!!
بقلم :  عُلا الفارس ... 29.12.2023

تتوالى قصص استهداف الأطفال الفلسطينيين على أيدي جنود الاحتلال، وكأنهم يتنافسون في ممارسة هواية قنص وقصف البراءة والقتل المجاني! جرائم لن تطغى على صور الطفولة المحفورة في الذاكرة، كمحمد الدرة، الذي استشهد في حضن والده، وإيمان حجو، ابنة الأربعة أشهر، التي مزقت جسدها الغض شظية حاقد فأصابتها، وهي في حجر والدتها، وريان سليمان ذي السبع سنوات، الذي توقف قلبه أثناء مطاردة الجنود له. والقائمة تطول، ففي فلسطين، حيث تتشابك قصص الأطفال مع جدران الحصار وأزقة المدن، كمظهر من مظاهر الصمود والبقاء، ستجد ما يعكس إجراما تعدى الوصف من المحتل تجاه الأطفال والرضع والخدج.
وفي هذا السياق، لا يمكن أن تتجاهل الحرب على غزة، التي تعد أحد الفصول الأليمة لسلسلة الاعتداءات الإسرائيلية، وهي التي يقود جيشها، الذي لا يهزم، على حد وصفه، أطول حرب منذ أن تشكل. حربٌ عنوانها «سنبيد غزة ومن فيها فوق الأرض وتحتها»! ومضمونها جرائم تفنن في تنفيذها، عاكسة يوما بعد يوم مدى الوحشية والوضاعة المتأصلة فيه.. وكما في قصص من سبقوه – ومن سيأتون بعده – استهدفت طائرة حربية إسرائيلية الطفل لؤي، ابن الأربعة أعوام وأسرته في غزة، استشهد أفراد العائلة، فيما كان لؤي الناجي الوحيد، رغم جراحه البليغة وأطرافه التي فقدها، سافر لؤي وحيدا بعد أن صدرت موافقة الاحتلال الذي حاول قتله سابقا بشق الأنفس.. طار لؤي على أمل أن يتلقى خطة علاج طارئة في الدوحة، لكنه استشهد ودفن فور وصوله متأثرا بجراحه.
سجل الأطفال في فلسطين مخيف، وما يثير الرعب فيه التفاصيل، وما تحمله المأساة، من خلال استهداف الحلقة الأضعف في مجتمع محاصر باحتلال لا معايير أخلاقية، أو إنسانية لديه، مع الإصرار على الانتقام من الفلسطيني، مهما كان عمره، مهما كان جنسه، مهما كان وصفه، جريحا، أو أسيرا، أو شهيدا.. فحتى الجثث لم تسلم من الانتقام، فيما تبقى الرواية التاريخية لجرائم الاحتلال واحدة لا تتغير!
حربٌ عنوانها «سنبيد غزة ومن فيها فوق الأرض وتحتها»! ومضمونها جرائم تفنن في تنفيذها، عاكسة يوما بعد يوم مدى الوحشية والوضاعة المتأصلة فيه.
ولو عدنا للذاكرة الجريحة، هل تذكرون أيا من مجازر الاحتلال تجاه الأطفال بعيدا عن فلسطين؟ مجزرة مدرسة «بحر البقر» في مصر، قصفتها القوات الإسرائيلية بطائرات الفانتوم الأمريكية في الثامن من أبريل/نيسان عام 1970، ارتقى فيها 30 طفلا شهيدا، وإصابة 50 آخرين، وتدمير مبنى المدرسة تماماً، فما كان من موشي ديان حينها، إلا أن قال: لم نقصف سوى هدف عسكري في هجومنا على الأراضي المصرية! والأسخف منه تبرير مندوب الاحتلال في الأمم المتحدة حين عمم رسالة قال فيها: «تلاميذ المدرسة الابتدائية كانوا يرتدون الزي الكاكي اللون، وكانوا يتلقون التدريب العسكري!»، في حين بث راديو إسرائيل مزاعم أن هؤلاء التلاميذ (الأطفال) «كانوا أعضاء في منظمة تخريبية عسكرية» تخيل!
أثار الهجوم حينها حالة من الغضب والاستنكار على مستوى الرأي العام العالمي، وعلى الرغم من أن الموقف الرسمي الدولي كان سلبيا، ولم يتحرك على النحو المطلوب، إلا أن تأثير الرأي العام تسبب في إجبار الولايات المتحدة ورئيسها نيكسون على تأجيل صفقة إمداد إسرائيل بطائرات حديثة، كما أدى الحادث إلى تخفيف الغارات الإسرائيلية على المواقع المصرية، الذي أعقبه الانتهاء من تدشين حائط الصواريخ المصري في يونيو/حزيران من العام نفسه، والذي قام بإسقاط الكثير من الطائرات الإسرائيلية، وانتهت العمليات العسكرية بين الطرفين بعد قبول مبادرة روجرز ووقف حرب الاستنزاف.
وكأن التاريخ يتكرر
لكن شيئا تغير!
ارتفعت حصيلة الشهداء في كل هجوم على المدارس والمستشفيات في غزة ولم يغضب العالم لم تتوقف الصفقات، بل زاد الدم والموت والدمار.. صدق من قال من لم يقرأ التاريخ لن يفهم الحاضر، وبين الماضي والحاضر ومع كل الروايات التي باتت نكتة ساخرة لا تصدق، سِجل الجرائم الإسرائيلية فاض، كما فاض كيل الفلسطينيين من صمت هذا العالم، الذي اعتاد المشهد، فلا الصور ولا أسماء الضحايا، وشهادات الناجين، ولا الحقائق الدامغة ستقنع العالم بما وقع من جرائم ومجازر في ليل الاحتلال الطويل! الذي ينكر ويبرر كل جرائمه فكيف سيعترف وفي الاعتراف إدانة. والاعتراف كما يقال (سيد الأدلة)، ناهيك عن أن الاحتلال لا يكترث بالقوانين والقيم والأخلاق، والقتل لديه يدخل في صميم عقيدته التي انسحر العالم بها على ما يبدو!
**إعلامية أردنية/ فلسطينية

*المصدر : القدس العربي

www.deyaralnagab.com