logo
حوار بين دمعتين في نفس الجرح، وقوس ألوان يصل غزة بالقدس!!
بقلم : رانية فهد  ... 25.01.2024

…امتشقت القلم على غير وعي منها، وبدافع من جرح يكتمه القلب وينزف به، امتشقت القلم ... بعد ذلك السبات وقالت له هيا بنا ندون كلمات متدفقة … كلمات كادت تخنقنا … قالت له : هيا يا صديقي أحدثك عن عن هذه الأحداث المؤلمة ؟ والمشاعر الجياشة انبجست وفاضت أمام هذا الدمار الذي طال كلّ شيء … طال عزيمتنا وعزمنا … أمام أؤلئك الملائكة الذين يصعدون ويصعدون … فغدونا تلك الدمى المتحركة … ولست أدري ماذا أقول بعد أمام تلك المشاهد الكاوية الحارقة... فردّ بكل عزم وحضور: هيا يا أيتها المشاعر التي تملأ جوانحنا، هيت لك فانبعثي ليخرج المارد من قمقمه ....هيا كوني بألوان الطيف يتقوس من فوق غزة حتى يطال القدس ...
قالت له : عن ماذا أحدثك …عن جنة الله على الأرض التي أبيدت. ... عن ضمير مات … عن أطفال ماتوا، فمات بموتهم الأحلام …
قال لها : خذي أحاديث تكاد تكون خيالاً... خذي حديث رجال يخرجون من باطن الأرض يرسمون أعلام الحرية في السماء ... خذي حديث قوم يموتون بحب ويتمزقون في الحب أشلاء . قالت له : ولكنه ذلك الواقع المشهود … ذلك الخبر الذي يقض مضجعنا ليل نهار … ذلك الوحش الذي ينهش في جسد الإنسانية..قال لها : أبداً لم تسقط الإنسانية ، ولكنها منهم منزوعة … نعم نريد تلك المعجزة الإلهية … نريد أؤلئك الأطفال الذين رحلوا و سطروا في ذاكرة تأبى النسيان عويلهم دمهم ودمعهم لتكون محور حواراتنا … أجل رحلوا … وأبى ذلك الصوت الملحاح إلا أن يصدح ويقول : أين أنتم يا أبناء جلدتي ؟ أين أنتم … تحركت الإنسانية في كل الدنيا وابناء جلدتنا سكتوا بلا فعل او حراك. …. فواجبهم أكبر من صراخ في الشوارع التي تدين الإجرام والعدوان وتبكي سيل الدماء. وفي غزة ألف ألف قصة ورواية ترفع الرأس ولكنها تشيب الولدان... وأردف قائلاً : إنها غزة يا زميلتي الصادقة في إنسانيتها وانتمائها ووطنيتها تعالي نرفع بعض الركام لنبحث عن رضيع يتشظى... قالت : وماذا أقول بعد ؟ ففي القلب غصة … وفي العين دمعة … فليس لي إلا ذلك القلم … ذلك البلسم العذب الذي يبلسم تلك الآهات ويأخذني إلى ذلك الحلم السرمدي … ذلك الحلم بأن تعود مدينتي الحزينة إلى ما كانت عليه في الأمس … لا أريد اليوم … لا أريد ذلك الموت الحتمي للشجر والحجر والبشر … ذلك اليوم الذي يبحث فيه هذا الطفل المجهول الهوية عن أمه …قال لها : تعالي نبدد الغبار ونشعل شمعة في هذا الظلامً هاتي دمعة وخذي دمعة لعلنا نصنع منها بعض العزاء ... وغدها شيء عجيب سيأتي الشتاء وتذهب الحرائق وينجلي الغبار وتعود الأبراج شامخات وتمتلئ الأبار ماء وتكون أحلامنا واقعاً ملموساً ونحرث الأرض ونزرع القمح ويأتي الربيع أخضر يانع
وتكون غزة ذلك التاريخ المرقوم على دفاترنا
ويتظلل به الأطفال
ويلعبون في مرح
ويرتفع الموت ويذهب بعيداً بعيداً
ونجتمع بكاتب التاريخ
نلقنه بصدق الحروف
المستوطنة في تلابيب ذاكرة تأبى النسيان
سننحت الأسماء على صخرة ونلقيها في البحر
ونقول له هي أمانتنا لديك للأجيال الآتية
أخبرهم أيها التاريخ أننا طلبنا الحياة فقتلونا ثم ابتعثنا الله
لنجسد معنى الإنسان
ونلقم الوحوش حجارة من صبرنا
وتلك الحكاية الآسرة التي سطرت بدماء أطفالنا وشيوخنا ونسائنا ورجالنا

حكايتنا طويلة وعنوانها في ثلاث ... طفولة وحياة وموت
ويستمر العطاء في دروب الحرية دماءً
وعند المصاب العظيم يأتي الصبر العظيم
الذي لا بد أن يخلفه نصر عظيم

ولما أظلم الليل وأرخى سدوله رحت أبحث عن أشلائي بين ركامها فجعلت من دفاتري أشلاء تحترق لتنير ما تحت الركام وفوق الركام
فالقصص يا صديقي عديدة وعديدة عجزت أقلامنا عن سردها والإحاطة بها … عجزت أقلام الشعراء وخطب الخطباء عن التعبير عنها … وبعد فنحن على أحرّ من الجمر … نحن بانتظار تحقيق ذلك الحلم الذي نسكنه ويسكننا ، بل تلك الحياة الكريمة في وطني الحبيب فلسطين وطني الذي تسرب حبه الغريب العجيب في شغاف القلب وخلايا الجسد … وطني الذي لأجله نزف القلم بذلك الألم ، بل بذلك الحلم
أيها الواقف عند المفترق بين الثنايا أين الاتجاه نحو مدينة مكلومة فإني أتسول بعض الصبر والصمود والإنسانية. أجل ، ذلك الصبر العظيم والذي هو مفتاح الفرج
ودلني الواقف... فسرت أبحث عن قصة غريبة ... فقالت المدينة مهلا إنني منشغلة بعرس حبيبين لم يفرقهما الموت حتى اجتمعت أشلاؤهما... فهنا ألف ألف حفلة زفاف


www.deyaralnagab.com