أحدث الأخبار
الجمعة 17 أيار/مايو 2024
الحلبة تنتظر يا...

بقلم : رشاد أبوشاور ... 25.7.07

استذكرت بإلحاح في هذه الأيّام الثقيلة المرارة، واحدة من أجمل قصص يوسف شرورو، القاص والروائي والمترجم ـ هل نسيتم ترجماته لبعض أعمال صديقه البريطاني كولن ولسون؟! ـ الفلسطيني، وهي بعنوان: الحلبة تنتظر يا...
أما الحلبة التي عناها المرحوم يوسف شرورو فهي الحلبة التي عليها سيخوض الفلسطيني صراع وجوده، حلبة المواجهة مع من أقصوه عن أرضه، أو غرّبوه عنها هو المزروع فيها بجذور أسلافه، مع الذين يواصلون سرقة وانتحال كّل ما أبدعه عبر العصور، منذ أوّل كنعاني أبدع الأبجديّة وأسس أوّل مجتمع زراعي مدني في أريحا الخالدة، حتي أيامنا هذه.
في القصة التي كتبها يوسف شرورو مطلع الستينات، ونشرها علي صفحات مجلة (الآداب)، يدخل (فلسطيني) ما إلي مربع للسهر، فيهاله أن مجموعة تحاول رقص الدبكة الفلسطينية ـ واضح من هي تلك المجموعة ـ علي اعتبار أن (الدبكة) هي من رقصاتها الفولكلوريّة!
يستل (الفلسطيني) منديله ـ والمنديل المطرّز بالخرز امتياز خاص باللويح، أي الراقص الأوّل ـ ويحتّل حلبة الرقص وسط دهشة المتفرجين، وعجز الراقصين المزورين عن مجاراته في حركاته الأصيلة.
لكن الصراع علي الحلبة ليس بهذه السهولة، فهزيمة العدو ليست بسهولة اقتحام حلبة للرقص، وحلبة عن حلبة تفرق!.
يا النداء في قصّة (الحلبة تنتظر يا...) موجهة للفلسطيني الذي كان يتحفّز لاقتحام الحلبة في مطلع الستينات، ولا سيّما بعد انهيار الوحدة بين مصر وسوريّة.
صوت القاص نادي الفلسطيني حيثما كان علي هذه الأرض من بعيد، من (لندن)، حيث كان يوسف شرورو يقيم، لندن أصل البلاء بسياساتها الاستعمارية، لندن (بلفور) و(بلير) الذي انتدبته (الرباعيّة) ليستكمل الدور البريطاني الكلاسيكي في تدمير حياة الفلسطينيين...
الحلبة، هي للنزال، هي المسرح الذي عليه سيقدّم الفلسطيني عرضا تراجيديا إنسانيّا، إذ لا يمكن حذفه ورميه في النسيان.
الفلسطيني هو (الفدائي) الذي اقتحم الساحة بعد هزيمة حزيران، وهو يردد: ما حكّ جلدك غير ظفرك.
رغم أن يوسف شرورو كان يعيش في (لندن) بحكم عمله، فهو كان علي الخّط، كما يقال، مع نبض الحراك الوطني الفلسطيني، مع بدء نهوض الشخصيّة الفلسطينيّة التي انتظرت أن يأتيها الإنقاذ، والتحرير من أمتها فكان أن قصم (انفصال) وحدة مصر وسوريّة، وإفشال أمل الوحدة، ظهرها وآمالها.
شقيق يوسف، الملازم أوّل في الجيش العربي السوري عبد اللطيف شرورو ـ لم يكن باني منظمة التحرير الفلسطينيّة الأستاذ أحمد الشقيري قد أسس جيش التحرير الفلسطيني بعد ـ أحد مؤسسي جبهة التحرير الفلسطينيّة، استشهد في بداية شبابه علي شاطئ بحيرة طبريّة، فكتب عنه يوسف قصّة مؤثّرة لا تنسي بعنوان (زورق من دّم)، ضمّتها مجموعة صدرت بنفس العنوان عن (دار الآداب) في بيروت.
أكثر من تنظيم فلسطيني في طور التأسيس حمل اسم جبهة التحرير الفلسطينيّة، أحدها أسسه الأستاذ شفيق الحوت، ومن المؤسسين كانت المعلّمة الكاتبة الكبيرة سميرة عزّام، عندما كانت الكتابة التزاما وطنيّا وإنسانيّا، لا انغلاقا فكريّا أوحزبيّا، أو عدميّة عولميّة تلهث وراء شعار الليبراليّة والديمقراطيّة التضليليّة في زمن بوش وبلير.
الحلبة!.. صعد الفدائي واعتلاها منازلاً عدوّه، مقدّما عروضا تليق بإنسانيّة الإنسان الذي يتشبّث بدوره في الحياة، مصارعاعدوه المدجج بالأسلحة، نازفا، صامدا، مترنحا، فإن سقط فإنه يتحامل علي كبريائه وينهض بعناد، وهذا حدث في عدّة جولات.
الحلبة!.. لم يعد الفدائي الذي اقتحمها هو سيدها راهنا!
الحلبة يجري عليها عرض منفّر، مخز، وحشي، لا أخلاقي، قتال دام بين قابيل وهابيل...
لذا فإنني أصرخ بملء الفم: أنزلوا هذين المتصارعين عن الحلبة فهما يشوهان حضورا رفعه أسلافنا بعظامهم، ولحمهم، وجبلوه بدمهم، وشهامتهم...
هذا العرض مّمل، غير ممتع، يؤديه مرضي، يطيل أمده محرّضون غايتهم استمرار المتصارعين في قتالهم حتي الموت، كما لو أن المتصارعين في (الكوليسيوم ) في روما القياصرة!
إنني أصرخ بملء الصوت: سرقوا حلبتك يا...
وحتي تكون صرختي ذات صدي، فإنني أطالب الفلسطينيين أن يتحرّكوا، فهم الحكم في هذا الصراع الغرائزي الذي يضيّع قضيتنا...
في حلبات الملاكمة، إذا ما بدا أن الملاكمين غير لائقين، يضربان تحت الحزام، ويشذّان عن الأصول في اللعبة النبيلة ـ الملاكمة ـ فإن الحكم يوقف المباراة، ويأمر بنزول الملاكمين بقرار صارم جازم: عدم تكافؤ.
وإذا ما علق المتصارعان في حالة تثبيت لا تفوّق فيها لأحدهما، فإن الحكم يأمرهما بترك احدهما الآخر، والانسحاب إلي طرفي الحلبة، ومن ثمّ استئناف اللعب حسب الأصول.
الحكم في ما يحدث هو شعبنا الفلسطيني الذي نسيه طرفا الصراع غير النبيل علي سلطة بائرة فاسدة مخسّرة.
أحسب أن شعبنا سيأمر الطرفين: أنتم في (غزّة ) انسحبوا من الأماكن التي تعود للسلطة ـ المنتدي، السرايا، بعض المؤسسات ـ وسلّموها لشخصيات محترمة من فتح، ومستقلّة معروفة بنزاهتها، خّاصة وأنتم تدّعون بأنكم خضتم معركتكم مع (الأجهزة) الفاسدة المنحرفة، وأخرجوا أنفسكم من مأزق وضعتم شعبكم وأنفسكم فيه...
وأنتم هناك في رام الله: ليست هذه فرصة للهرب إلي الأمام وراء سراب (أوسلو) فيكفيكم ما ورطّتم شعبنا فيه...
وأنتم وهم عودوا للحوار بحضور ومشاركة كّل الفصائل صغيرها وكبيرها ـ كأنه يوجد كبار! ـ والشخصيات الفلسطينيّة المحترمة وطنيّا، وأجيبوا جميعكم علي هذه الأسئلة وغيرها: هل يمكن تحقيق دولة فلسطينيّة مستقلّة وعاصمتها القدس بمواصلة مسار سلام أوسلو؟ وهل سيتخلّي قادة العدو عن المستوطنات التي احتلّت أراضي الضفّة الغربيّة ولم يبق منها سوي 10%؟! وهل السلطة التي تتقاتلون عليها هي سلطة فعليّة لكم وللشعب الفلسطيني؟.. سلطة علي ماذا؟!
تجادلوا حول الخيار المطلوب، وارفعوا أصواتكم ليسمعكم الشعب الفلسطيني في كّل أماكن تجمعاته..وعلي المكشوف!
من جانبي: أري أن الحلبة تنتظر، وأنها ليست الحلبة التي يتصارع عليها المتصارعان اللذان أدارا ظهريهما للحلبة الحقيقيّة والعدو الحقيقي.
بصراحة: الطرفان المتصارعان علي السلطة يحرمان شعبنا، البطل الحقيقي من الصعود إلي (الحلبة) الحقيقيّة، والقاتل المقنّع قاتل أخيه، يسرق دور الفدائي (أبو الكوفيّة ) الفلسطينيّة التي تحوّلت إلي رمز في سنوات العّز وصعود الشخصيّة الفلسطينيّة، الفدائي الذي لا يسلّم سلاحه قبل تحرير وطنه.. يا كتائب الاستعراض!
تري: إلي متي ستصبر علي مشوهي صورتك ومبددي دورك ومشوهي مجدك.. يا شعبنا..يا شعب الحلبة التي أدهشت جمهور العالم وأنت تنازل عدوّك علي خشبتها، فدائيا بالكلاشنكوف، ومنتفضا بالحجارة؟!