أحدث الأخبار
الجمعة 17 أيار/مايو 2024
الحّل الخنّاق!

بقلم : رشاد أبو شاور  ... 16.8.07

تصادف أن تواجد شخص قبيح الخلقة ـ لا اعتراض علي مخلوقات الله ـ في جمعة أشخاص، تشعّب بهم الحديث إلي التباهي بما أنجزوه رغم ظروفهم الصعبة التي لم تعق طموحاتهم، ولم تحد من أمانيهم بالتعلّم والتفوق، وهو ما أكسبهم احترام أنفسهم قبل احترام الناس لهم، فما كان من ذلك الشخص إلاّ ووقف ودقّ علي صدره، وأعلن بطريقة مسرحيّة، غير منتبه إلي قبح خلقته:
ـ أنا بكل فخر خلقت نفسي بنفسي!
عندهاحبــكت مع أحد الحاضرين الظرفاء سريعي البديهة، فعلّق:
ـ بصراحة أنا قلت عندما رأيتك: هذه الخلقة لا يمكن أن تكون خلقة الله سبحانه، فهو خالق كل جميل، وهو كوّن الإنسان في أحسن تقويم، وعلي أحسن هيئة وصورة!
لم يسقط في يد الرجل، فابتسم دون حرج، فمرآته معتمة تماما ولا تريه صورته!
في الحياة ثمّة بشر قبحهم ليس في الخلقة، ولكن في تصرفاتهم، وأفكارهم، وهؤلاء قد يرتدون بدلات أنيقة، وربطات عنق، ويتعطّرون بأغلي أنواع العطور، متناسين أن الثوب الجميل لا يستر عورة مفضوحة، والعطر الفوّاح لا يغطي الرائحة القبيحة المنفّرة، وقطعًا لا يجمّل سلوكا مخزيا.
هذا ينطبق علي جماعة (أوسلو) الذين لم يرعووا ويرتدعوا رغم كل الخسائر التي جرّوها علي شعبنا..فما السبب؟!
ربّما لأنهم كراقصات الستربتيز كلما خلعت قطعة من ملابسها انتظرت شهقات المعجبين، فطربت لتبذّلهم، وتعليقاتهم الجنسية الفاحشة...
في حالة الأوسلويين، فهم كلما تنازلوا رضيت عنهم أمريكا وربت علي اكتافهم قادة الكيان الصهيوني مشجعين، وبعض العربان، وهم لا يستطيعون التوقف عن الشلح فعوراتهم لا تحرجهم، فهي عورات واقعيّة، وهم يسعون للرضي، وأولاً رضي بوش، ولا ينشغلون بأنهم سيخرجون من هذه اللعبة بوووش، يعني فارغين تمامًا!
هم يكسبون ماديّا..هذا نعرفه وهو ليس سرّا، ويشتهرون شهرةً لا يحسدون عليها، وتصير لهم حظوة إعلاميّة لأنهم يقدّمون خدمات وليس لأهميتهم الفكريّة، أو لأدوارهم السياسيّة التي حققوها بجهدهم وجهادهم في الميادين، ولذا فنجوميّتهم زائلة لأنها كالأصباغ علي وجوه الغواني ـ هذه لجميع نجوم الفضائيات الفلسطينيين الذين يتشاتمون ليل نهار، ويلحقون بشعبنا أذي سيحاسبون عليه عندما تزاح عدسات الكاميرات عن خلقهم البائسة.
آخر ما تفتّقت عنه عقول هؤلاء هو التبشير بحل خنّاق لقضيّة اللاجئين!
هم يصفونه بالحل (الخلاّق) أي الحّل الذي يريحهم من ضغط، وثقل، وهم، حق العودة للاجئين الفلسطينيين، الذين هم وقود الثورة الفلسطينيّة المعاصرة، والانتفاضتين، لأنهم في حالة رعب دائم من ضغط حق عودة اللاجئين الفلسطينيين، الذي أقرّته الأمم المتحدة، والذي لن يتخلّي عنه اللاجئون، أفرادا، وجماعات، والذي سيبقي شعلة كفاح الشعب الفلسطيني متأجّجة دائمة الاشتعال، راهنا، ومستقبلاً...
لا أبومازن، ولا سلام فيّاض، ولا أي فلسطيني، يملك الحق بالتنازل عن حق إبنه، أو إبنته، أو زوجته، أو حفيده، في العودة إلي قريته، أو مدينته، سواءً أكان البيت في مكانه، أو أزيل وأقيمت علي أرضه بناية في مستوطنة طارئة لا جذور لها تماما كأصحابها الوافدين.
حق العودة لكل فلسطيني يورّث، ومن يرثه يصونه بدفع ثمن بقائه، وديمومته، واستمراره.
كان المناضل الفلسطيني الكبير الراحل صالح برانسي يردّد: إذا كان بيغن يدّعي أن أسلافه كانوا هنا في فلسطين قبل ألفي سنة، فكيف أيأس أنا المزروع في (الطيّبة)، وتينة وزيتونة أبي وأمي تطعمني زيتا وزيتونا وتينا، وتمنحني الظل الأليف والإحساس بعظمة وجمال الحياة؟!
الفلسطيني أمامه خيار واحد في مسألة حق العودة: التشبّث بهذا الحق ما دام حيّا، وهذا ما يمنحه قيمة، ويجعل حياته ذات معني، أمّا في حال أعرب عن استعداده للتنازل عن حق العودة تحت أي ذريعة، فهو يموت كإنسان، والذي يبقي هو حق العودة لمن يأتون بعده من سلالته التي لن تحتفظ له بالذكر الطيّب المشرّف...
الفلسطيني سلاحه الذي لا يهزم هو تشبثه بحقّه في العودة إلي أرض آبائه وأجداده...
الفلسطيني لا يمثله من يتنازل عن حبّة تراب من ثري فلسطين...
الفلسطيني يمثله من يحمل راية فلسطين ويعطي كل شيء حتي تبقي الراية مرفرفةً، عاليةً، عنوانا لقضيّة وشعب، وهويّة، ودور...
قبل أيّام، في العاصمة الأردنيّة (عمّان) التقي أهالي مدينة (عين كارم)، وتعاهدوا علي أن يعودوا إلي بلدتهم، وأن يربّوا أبناءهم وبناتهم علي جعل حق العودة هدف حياتهم الأقدس، وأن (عين كارم) ستعود فلسطينيّة، وكل ما أزيل من بيوتها سيعاد بناؤه وفاءً لأجيال خلت، وأجيال ستأتي لتعيش في (عين كارم)..في فلسطين العربيّة الحرّة.
أتابع مع اليقظين جدّا تحرّكات الأوسلويين، الذين يحاولون بجهود محمومة ترويج ثقافة التنازل عن حق العودة، ومن بينهم كتّاب، وسياسيون مفضوحون، وأثرياء مستعجلون علي وراثة سلطة (أوسلو) وتقديم أنفسهم كـ(منقذين) جاهزين لتسلّم السلطة، ووراثة الفاشلين الذين هم برأيهم ما عادوا يصلحون للقيادة!
أولئك، وهؤلاء..لا يصلحون لقيادة شعبنا، فمن لا يسبق في الميدان، ومن لا يعطي ويضحّي ويبدع لن يكون له دور كبير يليق بالكبار في العطاء...
شعبنا ليس مطيّة لأحد، ويخطيء من يحسب أنه يائس حاليّاً، وأن اللحظة مناسبة للقفز وامتطاء ظهره وسوقه، وبيعه في سوق التنازلات الأمريكيّة الصهيونيّة!
عن عرس غزّة!
شاهدتم ما جري في ذلك العرس!
أنا شاهدت ما شاهدتم فازددت حزنا علي حزن، وغضبا علي غضب...
هراوات تنهال علي الرؤوس، وسيارة تهاجم الكراسي، وكلاشنيكوفات تسدد إلي المحتفلين!
تظاهرة تمنع، وتهاجم..ومكاتب صحافيّة تداهم..من الذي يملك الحق بمنع تظاهر مناضلين وجدوا قبلكم يا سادة..قبلكم بعقود في الميدان!
ما رأيناه فضيحة، ولكن يبدو أن الطرفين ما عادا يخجلان من الفضائح!
أهذا هو مشروعكم البديل؟ ألهذا انتخبكم شعبنا في الضفّة والقطاع يا من تقمعون الأعراس، وتمنعون تنظيمات أسهمت في البناء ـ مع عدم نسيان الأخطاء والخطايا ـ وتحالف بعضها معكم حتي قبل أيّام، من التعبير عن رأيها في الشارع.. الشارع الذي هو ليس لكم وحدكم، ولا لغيركم وحدهم..الشارع الذي سيبقي لكل فلسطيني يهتف باسمها، وبالانتماء لها، قبلكم، وبعدكم؟!