أحدث الأخبار
الخميس 16 أيار/مايو 2024
الخرطوم ..السودان : حرب القبيلتين في كسلا السودانية: قتلى وجرحى وانتشار قوات عسكرية وإبعاد قيادات أمنية!!
12.05.2020

يتواصل التوتر في مدينة كسلا شرق السودان منذ خمسة أيام، نتيجة صراع قبلي عنيف وقع بين قبيلتي النوبة المتحدرة من جنوب كردفان والموجودة منذ قرون في شرق السودان، وقبيلة بني العامر، المنتمية لقومية البجا التي تقيم في الشرق أيضاً، وذلك إثر مشاجرة بين اثنين من أبناء القبيلتين، تحولت إلى اشتباكات أسفرت عن مقتل 8 وجرح نحو 100، وحرائق متبادلة لمساكن أبناء القبيلتين.والقبيلتان تتصارعان منذ نحو عام في مدينة بورسودان، الميناء الرئيسي للبلاد، ولكن هذه المرة امتدت الحرب إلى مدينة كسلا، ما قاد رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، إلى إصدار بيان «ناشد خلاله الأطراف المتصارعة بالهدوء»، في وقت بعثت فيه قوات «الدعم السريع»، بقوات عسكرية كبيرة انتشرت أمس في أحياء المدينة للفصل بين القبيلتين.وأفادت الوكالة السودانية الرسمية للأنباء (سونا) بأن وفدا من هيئة أركان الجيش، برئاسة الفريق خالد عابدين الشامي، وصل إلى مدينة كسلا (مركز الولاية)، بـ«تفويض كامل، وفي معيته تعزيزات عسكرية لإعادة إحلال الأمن في الولاية».وعقب اجتماعه مع لجنة أمن كسلا، برئاسة حاكم الولاية اللواء محمود بابكر، قال الشامي إن تعزيزات إضافية في طريقها إلى الولاية.وشدد على أن «هذا الأمر لا مجاملة فيه، فهذه الظواهر تكررت وأزهقت أرواحا زكية وسفكت دماء طاهرة نتيجة للانفلات الأمني غير المقبول»، وفق الوكالة.وتابع أن «الأحداث وقعت في أحياء محدودة، وتمت السيطرة عليها بأعداد كافية من القوات النظامية «، لكن مراقبين أكدوا وجود تراخ كبير من الأجهزة الأمنية والقوات النظامية في ولاية كسلا تجاه أحداث العنف.ودعوا إلى توقيع ميثاق شرف للسلم بين القبائل في الشرق، وبسط سيادة القانون وضرب المستفيدين من الصراع من منسوبي الدولة القديمة، مع تعيين ولاة مدنيين متوافق عليهم في ولايات الشرق، رافضين سياسة فرض الحكام من تحالف «الحرية والتغيير» الحاكم في الخرطوم.وقال الصحافي المختص في قضايا شرق السودان، عبد المنعم أبو إدريس لـ«القدس العربي» إن «العنف الذي اندلع في مدينة كسلا يعود إلى مشاجرة عادية بين واحد من النوبة، وواحد من بني عامر، في أحد المخابز، وكان يمكن أن ينتهي بشكل طبيعي، ولكن يوم الجمعة بدأت التجمعات والمناوشات، ووقع عنف كبير في حيي مكرام وكادقلي المتجاورين حيث يسكن بني عامر في الأول والنوبة في الثاني، وأُحرقت جراء ذلك منازل عديدة لينتقل بعدها الصراع إلى أحياء المدينة المختلفة».وأضاف: «السؤال يطرح نفسه كيف يمكن أن يتطور صراع بسيط كهذا لو لم تكن هناك جهة قامت بتغذيته، يجب علينا البحث عنها، لأن هذه القبائل المتصارعة عاشت لسنوات متساكنة وتعرف لهجات بعضها البعض، وليس هناك أي من أسباب الصراع المعتادة في العنف الأهلي إن كان على الموارد الطبيعية أو صراعات الرعاة والمزارعين وغيرها».مصدر سياسي مطلع حجب هويته، أوضح لـ«القدس العربي» أن «المشاجرة كانت يمكن أن تنتهي بشكل طبيعي، لكن المواطنين في هذه الأحياء يتحدثون عن دراجات نارية وعربات نصف نقل بدون لوحات كانت تجول بين الأحياء التي شملها التوتر، وتقوم بإحراق المنازل وإطلاق الأعيرة النارية، ولا يعلم أحد إن كانوا طرفا في الصراع أم أنهم الطرف الثالث الذي قام بتغذيته».وتابع: «في ظل كل ذلك، كان هناك تراخ أمني رهيب جدا وتفريط حكومي خطير يصل الى درجة التواطؤ في بعض الأحيان، حيث كانت القوات النظامية تقف في موقف المتفرج، ونار الصراع تشتعل، والقتلى يسقطون دون أن تتحرك الولاية، وتبذل أي جهد».وبين أن «جهاز الأمن والمخابرات كانت لديه المعلومات منذ ليل الخميس، بحشد كل طرف لمواطنيه، بل كان يرى بعينه حرق البيوت والموت ولم يحرك ساكنا ما يجعله تحت دائرة الاتهام أيضاً».وأقر المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء، فائز الشيخ السليك، بأن «الحكومة تحركت على مستوى السلطات المحلية ببطء، ربما اعتبرت أن المشكلة صغيرة، وأنها ستكون بمعزل عن صراعات مشابهة، لكن حصلت ردود أفعال متسارعة».وأضاف في حديث لـ«القدس العربي»، «صحيح أن النزاع بدأ بدرجة شخصية، إلا أن حالة الاحتقان، ووجود عناصر من النظام البائد حولا إلى صراع قبلي، لا يمكن أخذه بمعزل عن صراعات سابقة حدثت في القضارف وبورتسودان».وزاد «كما أن الوضع الانتقالي ومناخ الحرية يجعلان البعض يتجرأ على تجاوز الخطوط الحمراء، ولا يعرف الفرق بين الفوضى والحرية، كما أن هذا المناخ يجعل القوات الأمنية مترددة أحيانا في التدخل، وهو أمر خطأ بلا شك».وكشف عن الإجراءات التي قامت بها الحكومة قائلاً «الحكومة على مستويات المجلسين السيادي والوزاري، تدخلت بنشر قوات لاحتواء النزاع، حيث سيطبق القانون على كل الخارجين عنه، كما اتخذت خطوات احترازية مثل عزل بعض المكونات عن بعضها، كما قررت إبعاد بعض العناصر في الجيش والشرطة الى خارج كسلا حتى لا يكون وجودهم عاملا يزيد من إشعال الفتنة.وتابع «معروف أن لأهلنا في النوبة وبني عامر، عناصر في المؤسستين، وتقتضي الظروف عدم وجودهم في مناطق النزاع، لذا جاء قرار نشر قوات الدعم السريع التي انتشرت منذ أول أمس وأكملت انتشارها أمس، كما سينعقد اجتماع لمجلس الأمن والدفاع لمناقشة التطورات واتخاذ مزيد من الإجراءات والتدابير».لكنه عاد واستدرك قائلا» من شملهم الإبعاد من قادة الجيش والشرطة من المدينة لا يشمل تصنيفات بقدر ما اعتمد على المكون العرقي، وليس بالضرورة أن يكونوا متورطين، هذا إجراء احترازي حتى لا يكون وجودهم عاملا للتوتر، أو اتهام الجيش والشرطة بالتورط، أما من تثبت التحقيقات تورطهم فسوف يتعرضون للمساءلة».في السياق، اعتبر، القيادي في قوى «الحرية والتغيير»، وأحد القيادات التاريخية لقومية البجا في شرق السودان، عبد الله موسى، أن «تهاون الأجهزة الأمنية والقوات النظامية تجاه أحداث العنف في كسلا يبعث على الحيرة، وكذلك الصمت على دعاة الفتنة القبلية في الشرق الذين استخدموا وسائط التواصل الاجتماعي بشكل مقزز، وهم يحيون النعرات القبلية في ظل صمت أجهزة الدولة تجاههم».وقال «هناك شقان لمنع تكرار الأزمة، الأول، معالجة طريقة الحل السابقة التي لم توف الحكومة بها كاملة في السابق، إن كان من جهة إكمال التحقيقات القانونية في أصل المشكلة في بورسودان أو التي استجدت في كسلا، وتنفيذ ما تم الاتفاق عليه في البورت من جبر الضرر والتعويضات والديات وكشف المجرمين والمتواطئن وتقديمهم للعدالة حتى يردع من يسعون للفتنة مستقبلا لأن الاعتماد على الجودية والتقاليد القبلية لن يجدي وحده».أما الشق الثاني، وفق المصدر، فهو «سياسي مجتمعي حيث نحن ندعو للتوقيع على ميثاق شرف للسلم الاجتماعي يتم التوافق عليه بين كل مكونات شرق السودان القبلية والمجتمعية وتكون فيه نصوص واضحة تعاقب من يخرق هذا الميثاق وآليات لحل المشكلات التي تحدث بين المجتمعات».وطالب بـ «قيام مؤتمر سياسي جامع لكل أهل الشرق يعقد في واحدة من مدنه الثلاث لمعالجة قضايا الإقليم في ظل الدولة الحالية»، معتبرا أن «مفاوضات جوبا الخاصة بسلام الشرق التي يرفضها أهل الإقليم لعبت دورا كبيرا في إذكاء روح الفتنة».ودعا لـ«احترام خيارات الولايات في اختيار الولاة المدنيين، وأن لا يتم فرض ولاة من خارج الشرق، ومن مكونات سياسية ليس لها وجود أو فهم لطبيعة المشاكل والتقاطعات والصراعات ضمن سياسات قوى الحرية والتغيير المركزية في الخرطوم التي تجهل طبيعة المشاكل في الشرق، وتستند على أدوار الإدارة الأهلية التي لا تجدي وحدها إن لم تتكامل معها جهود سياسية ومجتمعية».إلى ذلك، بين الناشط الحقوقي والأستاذ الجامعي، خضر الخواض أن أبناء «مجتمعات النوبة وبني عامر متعايشون منذ سنوات، لكن أصبحت لديهم قابلية واستعداد نفسي للعنف منذ بدء الاشتباكات بينهم في بورسودان العام الماضي، والتي تنقلت بين مدن الشرق في القضارف والفاو بدرجات متفاوتة، والآن في مدينة كسلا».وأوضح أنه «ما لم يتم تبني سياسة تعزز التعايش والحق في السكن والمساواة أمام القانون وملاحقة المجرمين وفق القوانين الجنائية وليس التقاليد العرفية بين رجال الإدارة الأهلية وزعماء القبائل، لن تنتهي هذه المشاكل والموت المجاني الذي يروح ضحيته الضعفاء».وزاد: « من الواضح أن الهدنة القبلية المعروفة عندنا في الشرق باسم (القلد) لم تعد هي العلاج الناجع، خاصة وأن القبيلتين لا تتشاركان الثقافة نفسها التي تعتمد هذا النوع من المصالحات وآليات منع العنف الموجودة لا ينظر لها بنفس المنظار، فالأفضل اعتماد الحلول القانونية الطبيعية مع نشر ثقافة السلام وقبول الآخر عبر آليات الثورة نفسها التي وحدت الوجدان في السابق».ووجه أصابع الاتهام للدولة القديمة، وقال «هناك جهات مستفيدة من خلخلة الاستقرار ممثلة في الدولة القديمة، إن كان من المنتسبين لها بالأصالة اوالمستفيدين من وجودها».وواصل: «عند النظر للصراعات القبلية نجد أنها تشتعل مع كل خطوة للتغيير، ومثال على ذلك، عند التوقيع على الوثيقة الدستورية اشتعل الصراع في بورسودان، وعند تعيين مجلس الوزراء والمجلس السيادي تجدد الصراع في الشرق والغرب، والآن عندما اتجه الناس لتعيين الولاة والمجلس التشريعي تجدد العنف بضراوة في الشرق والغرب معاً، كل ذلك نتيجة من الخوف من استمرار عملية التغيير التي ستكنس الدولة القديمة وتعطل فرص عودتها للحياة، لذا الحل يكمن في استمرار تعيين الولاة المدنيين، وليس من العسكريين من الذين ثبت فشلهم في معالجة مثل هذه الصراعات»...*المصدر : القدس العربي


1