أحدث الأخبار
الثلاثاء 23 نيسان/أبريل 2024
كارثة الزلزال ووجوب احترام الموت!!
بقلم : محمد عايش ... 14.02.2023

مع كل كارثة طبيعية نجد من يسارع إلى إلقاء اللوم على الضحايا والادعاء بأن الكارثة ما هي إلا «عقوبة إلهية»، ويبالغون في ربط أي حدث بالأدبيات الدينية والنصوص الشرعية، بما يؤدي بهم إلى نتائج لا يُمكن أن تكون صحيحة. والحالُ ذاته مع من لديهم «انتهازية سياسية» حيث يقومون بتسييس مثل هذه الأحداث، كما حدث مؤخراً في الزلزال الكارثي الذي أودى بحياة عشرات الآلاف من الأبرياء السوريين والأتراك.
*لا يوجد أسوأ من تسييس الكوارث الطبيعية، فالزلازل لا علاقة لها بالنظام السياسي، والأعداد الكبيرة للضحايا لا علاقة لها بكيفية تعاطي الدولة مع الكارثة
وفي الحقيقة فإن ما يفعله بعض الملتزمين دينياً، أو المشايخ بالقول، إن الزلازل هي «عقوبة إلهية»، وما يفعله بعض الانتهازيين بتسييس الكوارث ومحاولة الاستفادة، كل منهما يقوم بتوظيف غير أخلاقي لمآسي الأبرياء، ويحاول الاستفادة من هذه الكوارث بدلاً من تقديم العون لضحاياها، بما في ذلك الدعم النفسي لهم بإظهار التعاطف معهم.
الزلزال الذي أودى بحياة آلاف الأبرياء من الأطفال والنساء والمدنيين والفقراء في سوريا وتركيا، لا يُمكن أن يكون «عقاباً إلهياً»، كما يحلو للبعض أن يتخيل، وإنما هو ظاهرة طبيعية كونية لا علاقة لذنوب العباد بها، كما أن العدالة الإلهية أسمى وأرفع من أن تعاقب أطفال سوريا الأبرياء، بينما تترك غيرهم من القتلة والمجرمين من دون عقاب، ولو كان الله تعالى معاقباً بشراً في الدنيا لعاقب بنيامين نتنياهو على المجازر التي اقترفها بحق الفلسطينيين، أو عاقب الصين على اضطهاد المسلمين الإيغور، أو الولايات المتحدة على ما فعلت في العراق.. لكن هذا كله لم يحدث، لأن الزلزال ليس سوى ظاهرة طبيعية تتعلق بطبقات الأرض، وعندما يؤدي إلى تدمير مكان فإنه لا يُفرق بين المحسن والمسيء لأنه ليس ثواباً ولا عقاباً لأحد. وبطبيعة الحال فإن النصوص الشرعية التي تؤكد ذلك كثيرة، أهمها قول الله تعالى: «وأن ليس للإنسان إلا ما سعى»، أي أن كل فرد يحصد نتائج أفعاله، سواء في الخير أو الشر، ولا مكان للعقوبات الجماعية. ولذلك كله فإن الإدعاء بأن الزلزال الكبير الذي حدث في سوريا وتركيا كان عقاباً إلهياً لهؤلاء الضحايا الأبرياء، ليس سوى «شماتة» غير أخلاقية بالمنكوبين، ومحاولة للوعظ في غير محله، ومحاولة لنزع التعاطف من قلوب الناس بدلاً من تعزيزه وتعظيمه، كما أن فهم قاصر لنصوص الدين الاسلامي ومعانيه السامية، وسوء ظن بالله، وعدم إيمان بالعدالة الإلهية المطلقة.
ثمة ظاهرة أخرى أكثر سوءا، وهي «تسييس الكارثة الطبيعية»، إذ بينما كانت المباني تتساقط على رؤوس أصحابها، وكانت فرق الإنقاذ تُصارع الزمن من أجل إنقاذ من يمكن إنقاذه من البشر، كان بعض الانتهازيين يحاول إدانة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والبعض الآخر عاد إلى تصنيف المناطق السورية المنكوبة بين من كان منها تحت سيطرة النظام، أو سيطرة المعارضة، وبات كل طرف يُحاول أن يدين الآخر ويسجل هدفاً في مرماه السياسي، بينما آهات الأطفال والموجوعين كانت تتصاعد من تحت الركام. لا يوجد أسوأ من تسييس الكوارث الطبيعية، فالزلازل لا علاقة لها بالنظام السياسي، والأعداد الكبيرة للضحايا لا علاقة لها بكيفية تعاطي الدولة مع الكارثة، فلا أردوغان ولا غيره كان من الممكن أن يقلل أعداد الضحايا، وعلى الجانب السوري لو كانت المناطق المنكوبة بحوزة النظام أو المعارضة أو غيرهما، فلن يغير ذلك من حقيقة الكارثة شيء.
والخلاصة هو أن محاولة البعض تقديم الوعظ الديني على حساب الضحايا الأبرياء، أو محاولة آخرين تسجيل مكاسب سياسية على حساب الأبرياء ذاتهم، كلاهما ليس سوى حالة من الانتهازية اللاأخلاقية، إذ في حضرة الموت لا تجوز الشماتة ولا تحقيق المكاسب، كما أن للموت هيبة وقدسية يتوجب على البشر احترامها والصمتُ بحضرتها.. وبحضرة هذا الزلزال الكبير فمن استطاع تقديم المعونة والدعم والمساعدة فليفعل، ومن لم يستطع فليقل خيراً أو ليصمت.

*كاتب فلسطيني.**المصدر : القدس العربي
1