أحدث الأخبار
الاثنين 29 نيسان/أبريل 2024
كونوا «محضر خير» أو اصمتوا!!
بقلم :  بشرى الهلالي ... 11.06.2015

أصبحوا شعباً كاملاً تمتد أذرعه في كل أنحاء الكرة الأرضية، ربما تساوي اعدادهم أو تتجاوز (عراقيي الداخل)، وهذه التسمية جاءت مؤخراً لتنشئ هوية لـ (عراقيي الخارج) الذين كان يطلق عليهم فيما مضى مغتربين أو مهاجرين. ودولة عراقيي الخارج تنامت في تسعينات القرن الماضي وتضاعفت اعدادها بعد 2003. فمن هاجر في الثمانينات كانوا قلة قليلة استطاعوا ان يفلتوا من شباك النظام السابق بعد ملاحقة معظمهم لأسباب سياسية تحت مسميات الحزب الشيوعي وحزب الدعوة، بينما اختار البعض الآخر الهجرة للعمل أو الدراسة أو بحثاً عن أسلوب حياة أفضل في البلدان المتقدمة، الهادئة نسبياً والتي تمنح الانسان قدراً كافياً من الحرية -الهاجس- الذي يجتذب معظم الطيور المهاجرة.
لا أحد ينكر على عراقيي الخارج حقهم في اختيارهم لحياتهم، ولا يستطيع أحد بالطبع ان يطالبهم بالعودة حتى بعد ان انتفت الأسباب التي دعت أغلبهم لمغادرة الوطن. فمن تباكى منهم من ظلم النظام السابق، مازال يشكو سوء الأوضاع الأمنية وعدم استقرار البلد، بل يتشبث بعضهم بذكرياته المؤلمة عن السجن والمطاردة والملاحقة وما تعرض له على أيدي النظام السابق من جراح لا يمكن ان تشفى مما يستدعي بقاءه في الدولة التي احتضنته وأمنت له ولعائلته حياة كريمة. وله الحق في ذلك أيضا، فليس من السهل ان يؤسس الانسان كيانا قد ينمو ويكبر لسنوات ليتخلى عنه ويبدأ ثانية. وكل المهاجرين يعلمون جيداً أن المشكلة الحقيقية هي ليست في تمسكهم بالوطن الجديد بل بتمسك زوجاتهم واولادهم الذين ولد بعضهم بعيدا عن الوطن، فلم يشعر تجاهه بالانتماء بل ان جذوره نمت وتعمقت في بلد آخر صار يحمل هويته ويستحق انتماءه إليه.
وكم من القصص التي تكررت فيها أحداث عن بعض المغتربين ممن فكر بالعودة الى البلد فامتنعت زوجاتهم ورفض أبناؤهم، مما اضطرهم أما للاستسلام لقدر الموت في الغربة، أو عودة بعضهم منفرداً مخلفاً وراءه عائلته.
وليس هذا مجال الحديث عن مشاكلهم او حياتهم الاجتماعية، بل عن صفحاتهم الفيسبوكية التي شكلت خارطة لأرض وطن ينشرون على حدوده جيوشهم، ويقودون حروبهم التي عادة ما تكون مرسومة وفق قناعاتهم، والمستمدة غالبا من وسائل الاعلام، التي بدورها تخضع لانتقائهم بناءً على مقاييس العقيدة والطائفة وغيرها من الأشياء التي تذكرها بعضهم الآن. وكيف لا يتذكر فلان اعتزازه بكربلاء التي لم يرها منذ ثلاثين أو أربعين عاماً، ويبكي فلان على الاعظمية التي لم يتنفس أولاده هواءها يوماً، ولم لا يتذكر ويحمل راية المدافع عن وطن يقدم له (الشهرة) ويلمع اسمه الذي صار نسياً منسياً؟
بالطبع سيجيب أغلبكم، بأن الانسان يحمل وطنه معه أينما حل، وان الحنين هو مرض الغربة، وانهم يظلون عراقيين ومن حقهم الكتابة عن الوطن.
وسأجيبكم، نعم.. من حقهم الكتابة عن الوطن، ولكن ليس من حقهم ان يشعلوا أرضه حرائق، أو أن يصبوا الزيت فوق النار، ففي نهاية اليوم سيغلقون حواسيبهم ويغطون في نوم مريح دون مشاكل (كهربائية)، ويستيقظون صباحا ليذهب الذي يعمل الى عمله، ويتسكع الذي لا يعمل بانتظار (السوشيال كير)، وهم يعلمون أو لا يعلمون بأن لقاءاتهم القصيرة الليلية مع الوطن خلفت عشرات الافكار اللقيطة التي تعلقت بأذيال شعب من المتعبين في وطن تاجر باسمه العديد من ساسته ورجال دينه ومثقفيه، ولو كان يملك فماً لصرخ، اصمتوا...

1