أحدث الأخبار
الاثنين 29 نيسان/أبريل 2024
صائدو الرمال يقتاتون من استنزاف نهر النيجر !!
بقلم :  بابا أحمد  ... 10.05.2015

على ضفاف نهر النيجر العابر لمالي، تتدفق أمواج بشرية مع بشائر الفجر الأولى، يفدون فرادى وجماعات يجمعهم هدف واحد يتمثل في تجميع أكبر كميّات ممكنة من الرمال لضمان لقمة العيش. يطلق عليهم اسم “صائدو الرمال”، ذاك أنّ لبّ عملهم هو ملء سرب الشاحنات بأكوام كبرى من الرمال تباع إلى حظائر باماكو للإسهام في إعمار العاصمة المالية، ولكن بما يسهم في استنزاف متزايد لتربة النهر.
يصخب المكان بزمجرة محرّكات الشاحنات التي تتوافد على ضفاف نهر النيجر العابر لمالي منذ الفجر الباكر في مشهد قل له مثيل.
تبدو مظاهر التعب والإنهاك واضحة على موسى ديمبيلي، العامل في رفع الرمال في شاحنة معدة للغرض، يقول “أنا هنا منذ الساعة السابعة صباحا، هي الشاحنة السادسة التي أملأها رفقة بعض الأصدقاء، ويمكننا المتابعة على هذا النسق إلى حين غروب الشمس”.
ويضيف ديمبيلي “إننا نعمل من أجل رؤية ناطحات للسحاب ترتفع في سماء باماكو”، موضحا “ترتبط قيمة مداخيلي بعدد الشاحنات التي نملأها رملا، لكنها تتراوح ما بين ألف و5 آلاف فرنك أفريقي (1.72 إلى 8.62 دولار) في اليوم”.
من جانبه، يقول عصمان كوني، أحد الناقلين، إن عبوّة شاحنة الرمل، تباع لمقاولات البناء بمبلغ 12 ألفا و500 فرنك أفريقي (حوالي 20 دولارا)، ويؤكد على أنه يقوم بما يزيد عن 10 رحلات يوميا، وعلى الرغم من أن القطاع يظل غير مهيكل فإنها تجارة مربحة، حسب تأكيد كوني. المشهد نفسه يتكرّر بشكل يومي في العاصمة المالية باماكو، ولكن يحدث أن يمضي “صائدو الرمال” إلى أبعد من ذلك بحثا عن ضالتهم، يمتطون قوارب تبحر بهم إلى سيغيري بغينيا كوناكري، بحثا عن الرمل، وفقا لما ذكره حارس يعمل بالمنطقة.
خبراء البيئة كثيرا ما حذروا من النتائج البيئية الوخيمة لهذا الاستغلال المكثف لرمال نهر النيجر. وعن هذا الموضوع، كشف فريق من علماء المياه بمعهد البحث والتنمية المنكبّ على دراسة النهر منذ عام 2007، أن قاع نهر النيجر آخذ في الانخفاض بمعدل سنتيمتر واحد سنويا، من جهة باماكو.
الباحثون لم يقفوا عند هذا الحد بل أعدوا قائمة بـ60 موقع استخراج على طول ضفاف النهر تمتد على مسافة 150 كيلومترا في منطقتي ما قبل العاصمة باماكو وما بعدها، وقدّروا حجم الرمال المستخرجة في الفترة ما بين عامي 2000 و2006 بما يتراوح بين 15 و20 مليون متر مكعب.
يُذكر أن دراسات تعنى بالشأن الحضري للعواصم الأفريقية كشفت أن حجم مدينة باماكو تضاعف 50 مرة في العقود الأخيرة، حيث بلغ عدد سكانها 1.8 مليون نسمة عام 2009، تاريخ آخر إحصاء رسمي.
وعلى الرغم من أن هذه الظاهرة لا تشمل الامتداد الطبيعي الكامل لنهر النيجر بطول 4200 كيلومتر، فإن النتائج ظلت رغم ذلك وخيمة على البيئة، لاسيما في مجالات الصيد البحري والثروات السمكية والزراعة التي لحقتها هذه التداعيات السلبية جرّاء الاستغلال المكثف للرمال.
وفي خطوة تهدف إلى التقليل من هذه المخاطر، تعهّدت الحكومة المالية، التي أبدت مؤخرا انشغالها بوضع نهر النيجر، بوضع استراتيجية لحماية هذه الثروة الطبيعية.
ويعد نهر النيجر ثالث أطول نهر بالقارة الأفريقية، بعد نهر النيل ونهر الكونغو، وهو النهر الرئيسي في منطقة غرب أفريقيا بطول يبلغ 4180 كيلومترا. وهو ينبع من سيراليون على ارتفاع 800 متر عن سطح البحر ويجري على سفح جبال لوما، ليصبّ في دلتا النيجر في خليج غينيا على المحيط الأطلسي. ويشق النهر 6 دول، إثنتان منها تحمل اسمه بشكل متشابه وهي النيجر ونيجيريا.
وقد سمّى العرب نهر النيجر قديما “نيل السودان” و”نهر الأنهر”، ويرجح أن أصل الاسم متأت من لغة الطوارق الذين يسمونه “إجرون يجرون” بكسر الجيم والراء والواو في الكلمة الأخيرة، ويلقب في مختلف لغات المنطقة بما يعني “النهر الكبير” أو “نهر الأنهار”. ويتجه النهر من الغرب إلى الشرق مرورا بمدن عديدة ابتداء بمنطقة في غينيا، ثم باماكو عاصمة مالي وجينيه وتمبكتو وغاو ونيامي ومالانفيل على حدود بنين، ثم يخترق نيجيريا مرورا بمدن لوكوجا وأونيتشا حتى مصبه في بورت هاركورت. وقد أصبح الإسكتلندي مونجو بارك أوّل أوروبي يكتشف مجرى نهر النيجر ومختلف تفرّعاته.
وإلى جانب استخراج رماله، يعد صيد الأسماك ونقل الركاب والبضائع من النشاطات المهمة على نهر النيجر، ويمكن للقوارب أن تبحر لمسافة 1600 كم في مالي وحوالي 64 كم في نيجيريا طول العام، في حين تمنع الشلالات والمساقط المائية والعوائق الأخرى الملاحة في بقية أجزاء النهر. كما يُعدّ نهر النيجر مصدرا مهما لتوليد الطاقة الكهربائية، على غرار سد كينيج في نيجيريا باعتباره أحد مشاريع الطاقة على النهر التي تحتجز مياه النهر لتكوّن بحيرة كيانجي.

1