حذّر مفوض مصلحة السجون الإسرائيلية كوبي يعقوبي، من حصول «حدث خطير» في سجون الاحتلال، وقال: «لقد تحوّل أمل الأسرى بالإفراج عنهم إلى يأس. نحن على أعتاب حدث والحرب (في السجون) على الباب». وأضاف أن مصلحة السجون تجهز نفسها منذ عامين لليوم الذي ستشتعل فيه الأقسام، «ومع أن حرب النهضة (الاسم الذي أطلقه نتنياهو على حرب غزة) تُدار بوتيرة منخفضة، فإنني أؤكد أننا على أعتاب حدث والحرب عندنا (في السجون) توشك أن تبدأ».
جاءت تصريحات مفوض مصلحة السجون خلال جلسة خاصة، الثلاثاء الماضي، للجنة الأمن القومي في الكنيست، تُعقد كل نهاية عام لبحث الأوضاع في السجون الإسرائيلية. وتطرّق يعقوبي إلى قدرات الأسرى الفلسطينيين وقال إن «بينهم عناصر (نخبة)، أثبتوا قدراتهم العملياتية، ولو كنت سألت أيّاً منهم في نوفمبر 23 متى سيعود إلى بيته كان سيقول لي في أوائل 2024، لكن أملهم تحوّل إلى يأس خطير».
وبخلاف ما تناقلته بعض من وسائل الإعلام (ومنها العربية) فإن يعقوبي لم يربط في كلامه بين معاناة الأسرى بسبب تضييق الخناق عليهم، وحالة الغليان التي قد تتطوّر إلى مواجهة واسعة في المعتقلات، بل أكّد سببا وحيدا لاحتمال الصدام وهو «اليأس» من إمكانية الإفراج في المستقبل المنظور. وللتأكيد على ذلك أصدرت مصلحة السجون بيانا خاصا، أعلنت فيه أنها لا تنوي تغيير ظروف اعتقال الأسرى الفلسطينيين، وشددت على أن السياسة التي يقودها وزير الأمن الداخلي إيتمار بن غفير «ناجعة وتخدم الردع». وجاء في البيان، أن تصريحات مفوض مصلحة السجون جاءت «على خلفية (انكسار) أمل الأسرى بصفقات التبادل، ولا علاقة لها بالأوضاع في السجون»، وحذّر البيان من أن «أي محاولة من قبل الإرهابيين لرفع الرأس ستواجه بيد من حديد».
من جهته قال رئيس شعبة العمليات في مصلحة السجون الإسرائيلية، أفيحاي بن حيمو: «هناك علاقة مباشرة بين ما قام به أسرى السابع من أكتوبر، وسلوكهم في السجن.. نحن نلاحظ طريقة المشي ونشاهد التحديق في الأقفال والشباك والساحات والغرف وأماكن وقوف الحراس. لقد اعتقدوا أنه سيطلق سراحهم (في الصفقة) وأيقنوا بعدها أن الأبواب أغلقت، وهم في الحبس. هم مصممون على وضع التحديات أمامنا كل يوم. في السنة الأخيرة ضبطنا رسومات خرائط لأقسام السجن والغرف والأبواب مع تحديد مواقع الحراسة. نحن نرى أنهم يجهّزون أنفسهم ولن نسمح لهم. الحرب في مصلحة السجون لم تنته. نتيجة للحرب عندنا 9500 سجين ومعتقل أمني، وهم لم يتوقفوا عن القتال، ولم يتخلوا عن معتقداتهم وأيديولوجيتهم، ونحن لهم بالمرصاد». علّل وزير الأمن القومي الإسرائيلي والمسؤول عن مصلحة السجون إيتمار بن غفير، تضييق الخناق على الأسرى الفلسطينيين بالادعاء، أن ظروف اعتقالهم هي بمستوى «فندق خمسة نجوم»، وبأنه يجب تغيير ظروفهم حتى يشعروا بالمعاناة وبالمكابدة من خلال جعل الحياة في السجن جحيما عليهم. وسادت نبرة الانتقام خطاب المسؤولين عن السجون، لكن تصريحات مفوض مصلحة السجون تجاوزت مقولة «يستحقون العذاب» نحو وصفهم بالخطر الأمني الداهم. وهذه محاولة مكشوفة لتبرير المزيد من القمع والتنكيل. ومقولة «الأمن» العقلانية ظاهريا معدّة لتبرير المبادرة إلى عمليات انتقام وحشية أشد وأفظع.
*سادت نبرة الانتقام خطاب المسؤولين عن السجون، لكن تصريحات مفوض مصلحة السجون تجاوزت مقولة «يستحقون العذاب» نحو وصفهم بالخطر الأمني الداهم
وتأتي التصريحات أيضا في سياق إعطاء تبريرات بأثر رجعي للفظائع التي ارتكبها السجّانون الإسرائيليون بحق الأسرى الفلسطينيين، بالأخص في سجن «سديه تيمان»، الذين كان موقعا للتعذيب والتجويع والاغتصاب والممارسات السادية. فالتبرير الأمني هو الغطاء الأقوى للجرائم الإسرائيلية في السجون، وفي الحروب، وفي «أيام السلم» النادرة. ولعل من دوافع التصريحات أيضا محاولة الحصول على المزيد من الميزانيات وإضافة آلاف السجّانين الجدد، وهذه عادة إسرائيلية معروفة، فالادعاء بأن هناك «حاجة أمنية ملحة» هو الحجّة الأقوى في النقاش حول الميزانيات. أثارت تصريحات المسؤولين عن السجون بعض الجدل في إسرائيل، وتعالت المطالبة باتخاذ إجراءات وقائية صارمة لمنع حدوث «تمرّد» في المعتقلات. ونوّه بعضهم إلى أن المواجهات في السجون هي «المشكلة الصغرى»، التي يستطيع جهاز مصلحة السجون احتواءها، وأشاروا إلى أن «المشكلة الكبرى» هي تأثير الحالة في السجون على المجتمع الفلسطيني بأسره، وحذّروا من خطر نشوب انتفاضة عارمة في الضفة الغربية، إذا انطلقت الشرارة من السجن.
وفق تقارير فلسطينية، وإسرائيلية أيضا، يوجد في السجون الآن 9300 أسير فلسطيني، ولا يشمل هذا الرقم المعتقلين في معسكرات الجيش الإسرائيلي، الذين لا يعرف عددهم ولا أسماؤهم. ومن بين الأسرى 3350 معتقلا إداريا (حبس بلا محاكمة) و1220 أسيرا تعتبرهم إسرائيل مقاتلين غير شرعيين و350 طفلا و51 امرأة. غالبية الأسرى هم بلا محاكمة، ولا وضوح في مسألة توقيت خروجهم من السجن. وعلى الرغم من إطلاق سراح آلاف الأسرى خلال صفقات التبادل، إلّا ان هذا لم يخفف من الاكتظاظ في السجون، إذ يجري نقل الأسرى من الأقسام التي ينخفض فيها العدد إلى أقسام مكتظة أصلا، فالاكتظاظ هو سياسة ممنهجة، وليس نتيجة لضيق الطاقة الاستيعابية للسجون، وتستطيع مصلحة السجون التخفيف منه إن أرادت، لكنها تتعمد خلق حالة من الاختناق في غرف الاعتقال.
منذ استلام بن غفير وزارة الأمن الداخلي، وبالأخص بعد السابع من أكتوبر، تتبع إسرائيل سياسة التضييق على الأسرى كسياسة رسمية ملزمة. وأثنى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، على هذه السياسة وقال إنها «بالاتجاه الصحيح وأداة ردع واستخبارات»، في إشارة إلى تعذيب الأسرى لابتزاز المعلومات منهم، ولردع آخرين عن تحدي الاحتلال الإسرائيلي. يعاني الأسرى بعد السابع من أكتوبر أسوأ ظروف اعتقال في تاريخ فلسطين، فقد تفوّق «المعذّب الإسرائيلي» الحالي على كل من سبقوه منذ النكبة ومن بريطانيين قبل النكبة. ويشمل التنكيل والتعذيب وتضييق الخناق، الاعتداء على الأسرى بالضرب لأتفه الأسباب، وحتى بلا سبب، وتحطيم البنى الاجتماعية والسياسية في السجون من خلال النقل التعسّفي من غرفة إلى أخرى ومن قسم إلى قسم ومن سجن إلى سجن آخر.
وقد غيّرت سلطات السجون وجبات الطعام، وجعلتها أقل بكثير من حيث الكمية وأسوأ بكثير من ناحية المذاق. وجاء في تقرير قدمته، مطلع الشهر الحالي، هيئة إسرائيلية رسمية هي «الدفاع العام» أنه تبين من زيارات متكررة للسجن، أن الصورة صعبة وظروف الاعتقال استثنائية والجوع شديد ويظهر في خسارة الوزن وأعراض جسمانية ملازمة من ضعف جسدي وإغماء. وجاء في التقرير أيضا أن الأسرى يقضون 23 ساعة يوميا في غرف مغلقة بلا تهوية وظلام خلال معظم الساعات. وشكا الأسرى، وفق التقرير، من أن العنف أصبح أمرا اعتياديا في التعامل معهم.
لقد عادت الحالة في السجون إلى نقطة ما تحت الصفر، فالرعاية الصحية تكاد تكون معدومة، والمرضى يموتون بأمراضهم في غياب علاج ملائم، والحمام لدقائق في الأسبوع، والسجانون هم الذين يقطعون تدفق المياه وليس الأسير المستحم. كما قطع اتصال الأسرى بالعالم الخارجي، بعد سحب الراديوهات والتلفزيونات وفرض التشويش على الاتصال بالهواتف المهربة ومنع زيارة الأهل وفرض قيود مشددة على زيارة المحامين.
جميع الأسرى الذين يخرجون من السجون يروون أمورا تقشعر لها الأبدان، والتدهور يتواصل يوما بعد يوم وتصريحات مفوض مصلحة السجون تكشف عن نوايا مبيّتة للاعتداء على الأسرى، بالأخص عشية الانتخابات، ليظهر بن غفير ومعه نتنياهو بمظهر البطولة في محاربة الأسرى.
المطلوب فورا الشروع بحملة محلية ودولية دفاعا عن حقوق الأسرى كما ينص عليها القانون الدولي، وتقديم دعوى قضائية ضد مجرمي التعذيب في السجون.

