
في اليوم العالمي لحقوق الإنسان، وجّه ائتلاف دولي يضم منظمات رائدة في أمريكا الشمالية وأوروبا وأستراليا دعوة عاجلة لفرض عقوبات على شخصيات وشركات إسرائيلية متورطة في التدمير الواسع للبنية التحتية المدنية في قطاع غزة.
جاء ذلك بعد تقديم “الائتلاف العالمي للعقوبات” وللمرة الأولى ملفًا منسقًا يتضمن توصيات تفصيلية إلى حكومات كندا والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، يدعو فيها إلى فرض عقوبات فورية على ثلاثة أفراد وجهات مرتبطة بهم، بدعوى مشاركتهم أو تعاونهم مع الجيش الإسرائيلي في هدم ممتلكات مدنية محمية بموجب القانون الدولي.
وأكدت المنظمات المشاركة، في بيان تقلت “القدس العربي” نسخة عنه، أن وتيرة العقوبات الغربية على إسرائيل تراجعت بشكل ملحوظ، وفي المقابل فرضت الولايات المتحدة عقوبات غير مسبوقة على منظمات حقوقية وناشطين، ما دفع المجتمع المدني في دول مختلفة إلى الاتحاد لاستثمار أدوات العقوبات الاقتصادية والضغط نحو تدابير طال انتظارها بحق الجهات المتورطة في الفظائع المرتكبة في غزة.
وتضمن الملف الذي قدمته هذه المنظمات، والواقع في 50 صفحة، “أدلة موثقة ومتقاطعة حول الدور الذي يلعبه مستوطنون إسرائيليون ومقاولون خاصون ووحدات هندسية غير نظامية في أعمال الهدم الواسعة في القطاع، بما يشمل تدمير المنازل، والمستشفيات، والمدارس، ودور العبادة”.
ويركز الملف على ثلاث شخصيات رئيسية: هارئيل ليبي، وألون إلغالي، وأوريا لوبر بوم، إضافة إلى الشركات والوحدات التابعة لهم.
وقال كوري بالسام، من منظمة “الأصوات اليهودية المستقلة”، التي وقعت على البيان، إن “الممتلكات المدنية محمية بموجب القانون الدولي، ومع ذلك نشهد تدميرًا منهجيًا لمدن وأحياء بأكملها”.
وأضاف أن التوصيات المقدمة “تواصل عملنا في الدفع نحو عقوبات فعالة وتصاعدية ضد المؤسسات التي تصمم وتمول وتنفذ عمليات الاستيلاء غير القانوني على الأراضي وتدمير البنية التحتية في فلسطين المحتلة”.
وأكد وليم ستايس، من منظمة 11.11.11. البلجيكية، أن “من يدمرون المنازل والمستشفيات ويقوضون الحياة المدنية ما زالوا يسافرون ويستثمرون بحرية دون محاسبة، وهذا يكرس الإفلات من العقاب”.
وقالت كارين رودمان، من منظمة “المدافعون عن السلام العادل” في كندا، إن “الأمم المتحدة حدّدت العقوبات الاقتصادية كأداة رئيسية لمحاسبة إسرائيل ردًا على حكم محكمة العدل الدولية في تموز/يوليو 2024”. وأضافت: “على الدول الثالثة أن تفي بالتزامها بمنع أو معاقبة ارتكاب الإبادة الجماعية. وقف إطلاق النار الشكلي ليس مبررًا لعدم التحرك”.
وقالت يارا شوفاني، رئيسة منظمة “كنديون من أجل العدالة والسلام في الشرق الأوسط” إن “إسرائيل تدمر البنية التحتية المدنية من الضفة وغزة إلى لبنان والجولان لطرد السكان العرب تحت ذريعة الأمن”.
ودعت كندا إلى “توسيع برنامج العقوبات ليشمل محركات التطرف الإسرائيلي خارج نطاق الضفة الغربية، إذ لا حدود للجهود الهادفة إلى التدمير والتهجير”.
ويتهم الائتلاف هارئيل ليبي وشركته Libi Construction Ltd بتوفير معدات هندسية لإجراء عمليات هدم في غزة، بما في ذلك مواقع في رفح وبيت لاهيا وجباليا، حيث ظهرت معدات الشركة وهي تهدم مركز “نور الكعبي” للغسيل الكلوي في مستشفى إندونيسيا، وهو آخر مركز عامل في شمال القطاع آنذاك. وتشير المعلومات إلى أن ليبيا مستوطنا يقيم في بؤرة “عدي عاد” غير القانونية في الضفة الغربية المحتلة، وله سجل في العنف ضد الفلسطينيين، وقد شملته عقوبات بريطانية في أيار/ مايو 2025 لاتهامه بأعمال عنف وتحريض.
أما ألون إلغالي وشركته Meshek Afar Ltd فقد شاركا في مشاريع هدم منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
ويملك إلغالي تاريخًا من الخطاب المتطرف. ونشر على حسابه في “تيك توك” مقطعًا خلال وجوده في قافلة عسكرية يقول فيه: “طوبى لمن مُنح جرّافًا يستطيع أن يحدث ضررًا حقيقيًا بأعدائه وينتقم لانتقام الله”. وقد وثق الائتلاف عمليات هدم نفذتها شركته استهدفت مباني سكنية متعددة الطوابق وأشجار الزيتون ودور عبادة.
أما أوريا لوبر بوم، قائد “وحدة أوريا” وهي وحدة هندسية غير نظامية تضم نحو 100 مشغّل معدات، فقد دعا علنًا إلى “تجويع غزة، حتى لو كان ذلك غير قانوني”. وتظهر تسجيلات مصورة جرافاته وهي تهدم منارات مساجد ومنازل سكنية بشكل ممنهج.
وأكدت المنظمات أن تدمير الممتلكات المدنية يشكل خرقًا مباشرًا لاتفاقيات جنيف، التي تحظر على قوة الاحتلال تدمير الممتلكات إلا للضرورة العسكرية القصوى. وأشارت إلى أن إسرائيل تنفذ النمط ذاته من الهدم غير القانوني في الضفة الغربية، وأن محكمة العدل الدولية اعتبرت هذا التدمير أداة متعمدة للتهجير القسري.
وحذر الائتلاف من استمرار عمليات الهدم في غزة رغم اتفاق وقف إطلاق النار، داعيًا إلى توسيع العقوبات الدولية التي كانت تركز سابقًا على الضفة الغربية لتشمل الجهات المتورطة في التدمير الواسع للمنازل والمساجد والمنشآت الطبية في القطاع.
و”الائتلاف العالمي للعقوبات” هو تحالف دولي غير حزبي يعمل على تعزيز استخدام العقوبات الاقتصادية بشكل فعال وأخلاقي، لضمان استهداف الجهات المرتكبة للانتهاكات دون التسبب بضرر للمدنيين.
وأصدر بيانه بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان، وهو يضم في صفوفه منظمات يهودية مناهضة للاحتلال والفصل العنصري في فلسطين وإسرائيل.
حكومات مزدوجة المعايير
ويقول كوري بالسام، منسق منظمة “الأصوات اليهودية المستقلة” في كندا، عندما نسأله ما إذا كان يعتقد بأن الأزمنة الحالية قد تكون فيها حقوق الإنسان والقانون الدولي الأكثر عرضة للانتهاك،
إن “هناك بالتأكيد انتهاكات جسيمة في فترات سابقة جرى التعامل معها بإفلات من العقاب، مثل النكبة، الحرب الأمريكية في فيتنام، والقائمة طويلة”.
لكنه يرى أن “ما يميز اللحظة الحالية هو درجة انكشاف التناقض والانتقائية التي تتصرف بها العديد من الحكومات الغربية في دعم حقوق الإنسان والقانون الدولي، خصوصًا عند مقارنتها بالإجراءات الأخيرة والمستمرة تجاه روسيا وأوكرانيا”.
ويضيف إلى ذلك أن “فرض إدارة ترامب عقوبات على قضاة المحكمة الجنائية الدولية نقل الأمور إلى مستوى جديد تمامًا”.
منسق منظمة “الأصوات اليهودية المستقلة” لـ”القدس العربي”: القانون الدولي لا يهم الديمقراطيات المزعومة ودعاة “النظام الدولي القائم على القواعد” إلا عندما يكون ذلك مناسبًا سياسيًا”
ويقول بالسام ردا على سؤال “القدس العربي” إن هذه الحكومات كشفت “عمّا كنا نشك فيه منذ زمن طويل: أن القانون الدولي لا يهم هذه الديمقراطيات المزعومة ودعاة “النظام الدولي القائم على القواعد” إلا عندما يكون ذلك مناسبًا سياسيًا”.
وعن المشاركة المتزايدة ليهود العالم في النضال ضد الإبادة الجماعية في فلسطين، يقلل “منذ بدء الإبادة الجماعية – أو ربما بشكل أكثر دقة، منذ تصاعدها – في أكتوبر 2023، شهدت حركة النضال العالمية من أجل تحرير فلسطين توسعًا كبيرًا، وازداد معها حجم المشاركة اليهودية”.
ويشير إلى أن منظمات مثل “الأصوات اليهودية المستقلة” في كندا و”الصوت اليهودي من أجل السلام” في الولايات المتحدة كانت “من أقوى الأصوات المؤيدة لفلسطين في بلداننا، وقد وسّعنا فقط مدى تأثيرنا ووضوح حضورنا خلال العام الماضي”.
ويضيف “نشهد أيضًا تنظيمًا يهوديًا نشطًا في المملكة المتحدة وأوروبا وأمريكا اللاتينية، وجنوب إفريقيا، وأستراليا ونيوزيلندا. العديد من هذه المجموعات باتت الآن مرتبطة عبر شبكة
كوري بالسام: الإبادة في غزة وتصاعد القمع في الضفة والقدس، تدفع مزيدًا من اليهود إلى رفع الصوت، ورفض التواطؤ”
“اليهود العالميون من أجل فلسطين”، وهي شبكة جديدة تضم منظمات يهودية مناهضة للصهيونية في نحو 20 دولة”.
لكنه ينبه إلى أنه “لا تزال هناك عقبات كبيرة داخل المجتمعات اليهودية”، عازيا ذلك إلى “الاصطفاف المؤسسي الطويل الأمد مع إسرائيل، وتأثير الهيئات الجماعية الصهيونية، وحجم جهود الدعاية الإسرائيلية”.
ويقول: “مع ذلك، أنا واثق من أن هذا التحرك سيواصل نموه السريع. فالإبادة الجماعية المستمرة في غزة، إلى جانب تصاعد القمع في الضفة الغربية والقدس، تدفع مزيدًا من اليهود إلى رفع الصوت، والتنظيم، ورفض التواطؤ”.
*القدس العربي

